الفقه الإسلامي - قضايا فقهية معاصرة - مستجدات العصر - مالية
رقم الفتوى 12659
نص السؤال مختصر

فيما يتعلق بالفتوى 12546 ما حكم طلب البنك توقيع عقدين في وقت واحد، الأول عقد إسلامي، والثاني هو كأي عقد ربوي مع أي بنك أمريكي، بحجة أن الدولة تطالب بهذا العقد الذي يعتبره البنك الإسلامي ضرورة من أجل قبول البيع من قبل الجهات العقارية الأمريكية المختصة، وما حكم ألا يتملك البنك الاسلامي البيت قبل مبيعه ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

تضمن السؤال نقطتان: 

1. توقيع العقد الإسلامي والعقد الربوي

2. عدم تملك البنك الإسلامي للبيت قبل بيعه على العميل

وسنجيب عنهما فيما يلي: 

أولاً: توقيع العقد الإسلامي والعقد الربوي :

إن العمل في بيئة قانونية غير ملائمة لمتطلبات الشريعة الإسلامية في جملتها، يستدعي في بعض الحالات اللجوء إلى إجراءات استثنائية بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومن هذه الوجهة نلاحظ في تطبيقات التمويل الإسلامي بعض الأمور وسنوضحها فيما يأتي: 

1. استعمال مصطلحات الفائدة والقرض في بعض المستندات بغرض أن ينتفع العميل من مزايا الإعفاء الضريبي على التمويل العقاري، رغم أن عملية التمويل الإسلامي ليست قرضاً وليست بفوائد، وإنما هي بيع أو إجارة أو مشاركة متناقصة مع بيع وإجارة، وهذا الاستعمال للمصطلحات جائز شرعاً للغرض المذكور، ولا أثر له على مشروعية العملية لأنه مجرد استعمال لفظي أو صوري، ولا أثر له في جوهر المعاملة أو معناها كما أشرنا، لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.  

2. كما نلاحظ أن بعض شركات التمويل توقع مع العميل العديد من المستندات النظامية المطابقة لمتطلبات المؤسسات الفيدرالية فاني ماي وفريدي ماك، والسبب في ذلك أن هناك ترتيب بين شركات التمويل الإسلامي وهذه المؤسسات بموجبه تحصل شركة التمويل الإسلامي على تسهيلات تستغلها وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، ولذلك لا بد أن تكون شروط التمويل الممنوح للعملاء من شركات التمويل الإسلامي مطابقة ائتمانياً لشروط تلك المؤسسات، وهذا الترتيب على صورتين: الأولى: الحصول على تسهيلات الوكالة عن هذه المؤسسات الفيدرالية في تنفيذ عمليات التمويل الإسلامي وهذا ممكن شرعاً في كل الصيغ، أو بيع العقد بعد تنفيذه بأشهر لتلك المؤسسات الفيدرالية وهذا ممكن شرعاً في تطبيقات الإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة المتناقصة لأن شركة التمويل الإسلامي ما تزال تملك العين أو جزءاً منها. والتعامل مع هذه المؤسسات الفيدرالية هو بغرض توسيع قدرة شركات التمويل على التمويل وإلا فإنها ستضطر للاقتصار على التمويل في حدود رؤوس أموالها وهي محدودة، وهنا لا مشكلة في التعامل مع هذه المؤسسات الفيدرالية إذا كان التعامل بينها وبين شركة التمويل الإسلامي لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية سواء في حالة تسهيلات الوكالة في ابتداء التمويل أو في حالة بيع العقد بعد نشوئه في بعض الحالات كما ذكرنا. 

3. الأمر الأخير هو أن كل التطبيقات تهتم بتوثيق الدين الناشئ عن المعاملة حتى تضمن حقوقها في حال التنازع واللجوء للمحاكم الأمريكية، فكل شركات التمويل الإسلامي قامت بترتيب مآلٍ للعقود الإسلامية في حال النزاع يسمح بأن تعامل المحاكم الأمريكية الدين الإسلامي معاملة الدين التقليدي (دين الموركج السائد)، والهدف من ذلك هو تخفيض تكاليف التقاضي، لأن القضاء سوف ينظر إلى حالة النزاع كحالة نمطية عادية بتكاليف معروفة مسبقاً. أما لو تم الرفع للقضاء الأمريكي على صورة المشاركة أو الإجارة الإسلامية فإن المعاملة ستعتبر غير نمطية أو استثنائية ومن ثم ستحتاج إلى تكاليف إضافية للإحالة للخبراء لإبداء الرأي لأن القضاة ليس لديهم تخصص في هذه الموضوعات الإسلامية وكذلك الخبراء سيواجهون مشكلة في التعرف على أحكامها الشرعية. ولهذا فإن تهيئة المستندات وعمل بعض الترتيبات التي من شأنها أن تؤول بالعملية إلى التقاضي على أساس الحالة النمطية أمر مرغوب فيه تخفيضاً للتكاليف. ومن هذا المنطلق رأت بعض الشركات أن توثق الدّين الشرعي بعقد الرهن التقليدي، وهنا لا إشكال شرعاً لأن العقد التقليدي للرهن استعمل في توثيق مديونية شرعية في نشأتها، واستعمال المصطلحات كاستعمال كلمة قرض في التعبير عن أصل التمويل، وكلمة فائدة في التعبير عن العائد لا يؤثر كما ذكرنا من قبل لأنه صوري ولا يغير في جوهر المعاملة.

ثانياً: عدم تملك البنك للبيت قبل بيعه على العميل 

من المهم أن نوضح أن هناك خلطاً بين الملكية وبين تسجيل الملكية أو توثيقها لدى الجهات الرسمية. فأما التملك فيحدث بموجب عقد الشراء المتضمن للإيجاب والقبول، وأما التسجيل فهو توثيق للملكية الدائمة. وفي الحالات التي يتم فيها الشراء والبيع في مدة قصيرة فيفضل ألا يتم التسجيل تجنباً لازدواجية الضريبة على الملكية. ولهذا فإن شركات التمويل الإسلامي في بعض التطبيقات كالمرابحة أو المشاركة المتناقصة في المنفعة تتجنب تسجيل العقار محل التمويل باسمها لدى جهات التوثيق العقاري بغرض تجنب ازدواجية فرض الضريبة على العقار مرتين ، مرة عند نقل وثيقة الملكية باسمها ومرة أخرى عند نقل وثيقة الملكية باسم العميل. وهذا أمر محمود تخفيضاً للتكاليف ولا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهو السائد في تطبيقات البنوك الإسلامية. 

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/10/09

المفتي


د. عبد الباري مشعل

د. عبد الباري مشعل

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به