الحديث الشريف - الحديث - الحديث النبوي و ما يرشد إليه - شروح الحديث وما يرشد إليه
رقم الفتوى 12590
نص السؤال مختصر

في الحديث الشريف الذي فيه أن رجلاً قتل مئة نفس ثم تاب، كيف سيكون حسابه مع أهل القتلى و أولادهم ؟ 

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فإن القصة المذكورة قصة صحيحة، وهي ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : 

(كان فيمن كان قبلكم "في بني إسرائيل" رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، "ثم عرضت له التوبة" فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلّ على راهب، 

فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟ 

فقال : لا فقتله فكمل به مائة.

ثم "عرضت له التوبة" فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل عالم،

 فقال : إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ 

فقال : نعم ومن يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.

فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، 

وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط. 

فأتاهم ملك في صورة آدمي ، فجعلوه بينهم (يعني حكماً)

فقال : قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له،

فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة "فغفر له")

وفي القصة فوائد كثيرة ليس هذا مجال ذكرها.

لكن فيما يخص سؤال السائل عن حساب القاتل مع أهل وأولاد القتلى ال (100) نفس قبل أن يتوب، 

فعلينا بداية أن نعرف أن القتل بغير حق ذنب عظيم وجرم كبير، وهو أحد الموبقات السبع والكبائر العظيمة التي توعّد الله صاحبها بأعظم الجزاء ما لم يتب، قال الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] والنصوص الشرعية في التحذير من هذه الكبيرة كثيرة جداً.

وإذا وقع العبد في مثل هذا الذنب العظيم فإن عليه ثلاثة حقوق ذُكرت في هذه الفتوى 12589

وأما فيما يخص السؤال عن القاتل في القصة المذكورة {كيف سيكون حسابه مع أهل وأولاد القتلى} ؟

فالجواب :

إننا بدايةً لا نعلم عن تفاصيل ما حصل أثناء وبعد توبته، لأن القصة المذكورة في الحديث مختصرة.

وليس فيها ما يمنع كون القاتل قد ذهب لأهل القتلى وسلم نفسه إليهم وطلب عفوهم قبل خروجه أو أثناءه.! 

ويؤيد إمكانية حصول هذا أن القصة قد حصلت في بني إسرائيل كما ثبت في صحيح البخاري وغيره، 

والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا عن شرع بني إسرائيل فيما يخص القتل بغير حق فقال {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ... (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) } [المائدة: 44، 45] 

وإذا ثبت هذا فإن العالم الذي سأله القاتل يعلم هذا الشرع ولا شك، وسيبين له حكم الله فيه، والرجل الصادق في توبته سيكون حريصاً على تطبيقه، لأن توبته من القتل لا تتم إلا بهذا.

فالأظهر – بناءً على كل هذا – أن القاتل قد علم بما يجب عليه، وبناءً على ما علمنا من صدق توبته فينبغي أن يكون حريصاً على القيام بحق الله فيه.

وإذا كان كذلك فإما أن يكون قد ذهب إلى أهل القتلى واعتذر إليهم وسلم نفسه لهم قبل خروجه فعفوا عنه،

وإما أن يكون قد نوى الذهاب إليهم فأدركه الموت قبل ذلك.

ونحن قد علمنا أن الله تعالى قد غفر لهذا القاتل صاحب القصة كما في آخر الحديث، فهو ما بين أمرين:

إن كان قد ذهب إلى أولياء الدم واسترضاهم فسبب مغفرة ذنوبه واضح ولا إشكال فيه، 

وإن كان قد مات قبل ذلك فحسابه على الله، 

وهو خاضع لمشيئته سبحانه.

وإذا أراد الله سبحانه مغفرة ذنوبه فإنه يرضي عنه خصومه، كما قررنا في الكلام عن حق المقتول في مقدمة الإجابة.

ولهذا قال الإمام العيني رحمه الله : [قوله "فغفر له" أي غفر الله له.

فإن قيل: حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة بل لابد من الاسترضاء !

أجيب: بأن الله تعالى إذا قبل توبة عبده أرضى خصمه]. 

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/08/10

المفتي


د. براء يوسف حلواني

د. براء يوسف حلواني

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به