الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - ما يلحق بالعبادات - الأدعية و الرقائق و الأذكار
رقم الفتوى 13154
نص السؤال مختصر

منذ سنوات أدعو بأمر (دنيوي) بكل أوقات الإجابة وبكل الأدعية المأثورة، ولم تستجب الدعوة، أنا راضية وكلي يقين أن ما اختاره الله لي هو الخير، ولكني محتارة، هل أترك الدعاء أم أستمر ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

أحسنت أختي الكريمة في سؤالك لله وتوجهك له، وعنايتك بالأدعية المأثورة ، ويقينك أن ما اختاره الله لك هو الخير، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن دائماً .. وأذكرك بأنه لا ينبغي ترك الدعاء وإن طال وقت عدم استجابته، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي)، لأن الدعاء في نفسه عبادة وقربة لله، ولأن الله يبتلي عباده ويختبرهم ، والمؤمن يرضى بقضاء الله وقدره له، ويعلم أن ما يقدره الله له هو خير، ولهذا ادعي الله بما ترغبين وألحي عليه ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين أو ثلاث والاقتصار على الثلاث أفضل اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا. ولا تقصري دعائك على أمر واحد بل ادعي الله بجوامع الدعاء واسألي الله خيري الدنيا والآخرة.

وتأملي أختي الكريمة هذا الفصل البديع من كلام ابن الجوزي في هذه المسألة ، قال رحمه الله :

" رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب ، فيكرر الدعاء و تطول المدة و لا يرى أثرا للإجابة ؛ فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر !!

وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب ؛ و لقد عرض لي من هذا الجنس ؛ فإنه نزلت بي نازلة فدعوت فلم أر الإجابة ، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده ، فتارة يقول : الكرم واسع ، والبخل معدوم ، فما فائدة التأخير ؟!!

فقلت له : اخسأ يا لعين ، فما أحتاج إلى تقاضٍ ، ولا أرضاك وكيلا !!

ثم عدت إلى نفسي فقلت : إياكِ و مساكنةَ وسوسته ، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو ، لكفي في الحكمة .

قالت : فسلِّني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة !!

فقلت : قد ثبت بالبرهان أن الله عز و جل مالك ، و للمالك التصرف بالمنع والعطاء ؛ فلا وجه للاعتراض عليه .

والثاني : أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة ، فربما رأيتِ الشيء مصلحةً ، والحكمة لا تقتضيه ، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر ، يقصد بها المصلحة ، فلعل هذا من ذاك .

والثالث : أنه قد يكون التأخير مصلحة ، والاستعجال مضرة ، وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي ) .

الرابع : أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيكِ ؛ فربما يكون في مأكولك شبهة ، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة ، أو تزاد عقوبتك ، في منع حاجتك ، لذنبٍ ما صدقتِ في التوبة منه .

فابحثي [ يا نفس ] عن بعض هذه الأسباب لعلك تقعين بالمقصود ...

والخامس : أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب ؛ فربما كان في حصوله زيادة إثم ، أو تأخيرٌ عن مرتبة خير ، فكان المنع أصلح !!

وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو ، فهتف به هاتف : إنك إن غزوت أُسرت ، وإن أُسرت تنصرت !!

والسادس : أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجْء [ أي : اللجوء إلى الله ] ، وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول ، وهذا الظاهر ؛ بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجء ... وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه ، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك !!

وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك ؛ من رفع خلل ، أو اعتذار من زلل ، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب !! " انتهى .

صيد الخاطر (59-60) .

وبالله التوفيق.

تاريخ النشر بالميلادي 2023/03/15

المفتي


د. هشام عبد العزيز الحلاف

د. هشام عبد العزيز الحلاف

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به