العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 13095
نص السؤال مختصر

سألني طفل: كيف رسول الله شاهد أهل الجنة وأهل النار في المعراج ؟ ولم يقم الحساب بعد! 

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن كما تواتر عن النبي ﷺ وأجمع عليه أهل السنة، ودخول العباد للجنة والنار جزاء أعمالهم إنما يكون في الآخرة، وأدلته أكثر من أن تحصر.

وقد رأى النبي ﷺ الجنة ودخلها، ورأى النار ووقف على بابها، ورأى بعض أهل الجنة وبعض أهل النار فيها بأعيانهم، ورآهم بعمومهم فيها، كما تواتر عنه بمجموعه في أحاديث كثيرة جداً.

● فمن أحاديث تسميته بعض أهل الجنة الذين رآهم أو سمعهم فيها بأعيانهم:

1. سماعه خشخشة نعلي بلال في الجنة. 

2. وسماعه خشف نعلي الغميصاء بنت ملحان في الجنة. 

3. ورؤيته جعفر الطيار يطير بجناحيه في الجنة. 

4. وسماعه قراءة حارثة بن نعمان في الجنة. 

5. ورؤيته الرميصاء بنت ملحان في الجنة. 

6. ورؤيته حمزة بن عبد المطلب متكئاً في الجنة. 

● ومن أحاديث تسميته بعض أهل النار الذين رآهم فيها بأعيانهم:

1. رؤيته المرأة التي حبست الهرة في النار. 

2. رؤيته عمرو بن لحي يجر قصبه في النار. 

3. رؤيته الرجل الذي كان يسرق الحاج في النار. 

4. رؤيته الرجل الذي سرق بدنتي النبي ﷺ في النار. 

● هذا فضلا عن الأحاديث التي نصت على رؤيته ﷺ أهل الجنة وأهل النار بالعموم، كحديث:

1. رؤيته أكثر أهل الجنة الفقراء. 

2. ورؤيته أكثر أهل النار النساء. 

- بناء على كل ذلك ينشأ سؤال:

كيف نجمع بين عدم دخول الجنة أو النار إلا في الآخرة، وبين رؤية النبي ﷺ بعض أهلها بأعيانهم فيها، ورؤيته عموم أهلها قبل القيامة ؟

وهو السؤال الذي عبّر عنه السائل هنا.

وقد أجاب العلماء على ذلك السؤال بأحد قولين:

■ القول الأول:

أن ذلك كان (رؤية حقيقية) لأحوال أهل الجنة وأهل النار أطلع الله عليه نبيه ﷺ (خرقاً لحجاب الزمان والمكان)، والله - خالق الزمان والمكان - قادرٌ على أن يزيل حجابهما عمن يشاء من عباده.

وقد حصل شيء من ذلك بعد الإسراء والمعراج حين كذّبت قريش النبي ﷺ وطلبوا منه وصف بيت المقدس، فأزال الله عنه حجاب المكان ومثّله أمامه يراه ويصف منه ما شاء.

قال الإمام ابن حجر رحمه الله:

[ظاهره أنها رؤية عين فمنهم من حمله على أن الحُجُب كُشفت له دونها فرآها على حقيقتها]. 

وقال العيني رحمه الله:

[قال العلماء: يحتمل أن يكون قد رأى رؤية عين، بأن كشف الله تعالى له مثلا عن الجنة والنار، وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه بمكة للناس]. 

ومما يؤيد ذلك ما ورد في حديث صلاة الكسوف في صفة رؤيته ﷺ للجنة والنار حيث قال:

(حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخرت) وفي رواية (قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حتى قلتُ: أي ربّ وأنا معهم؟!) وفي رواية (لقد جيء بالنار فذلك حين رأيتموني تأخرتُ مخافة أن يصيبني من لفحها، وجيء بالجنة فذلك حين رأيتموني تقدمتُ حتى قمتُ في مقامي، ولقد مددتُ يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي ألا أفعل).

وكذلك ما ورد في الأحاديث الدالة على دخوله ﷺ الجنة وتفاعله مع أهلها وكلامه معهم وسؤاله إياهم، ورؤيته النار وتفاعله مع ملائكتها، وهي كثيرة.

وهذه النصوص صريحة في أنه ﷺ كان يراها رأي العين: يتنحى من لفح النار ويريد قطف ثمار الجنة ويسأل أهلها ..إلخ

■ القول الثاني:

أن ذلك كان (رؤية تصويرية) لا حقيقية، أطلع الله بها نبيه ﷺ على حال أهل الجنة وأهل النار بما صوّره له بعلمه السابق عنهم، حتى يراه ويخبر به أمته نذيرا وبشيرا.

قال الإمام ابن حبان رحمه الله مبيناً ذلك:

[اطلاعه ﷺ إلى الجنة والنار معا كان بجسمه ونظره العيان تفضلا من الله جل وعلا عليه، وفرقا فرق به بينه وبين سائر الأنبياء.

فأما الأوصاف التي وصف أنه رأى أهل الجنة بها، وأهل النار بها، فهي أوصاف صُوّرت له ﷺ ليعلم بها مقاصد نهاية أسباب أمته في الدارين جميعا ، ليرغّب أمته بأخبار تلك الأوصاف لأهل الجنة ليرغبوا، ويرهّبهم بأوصاف أهل النار ليرتدعوا عن سلوك الخصال التي تؤديهم إليها]. 

وقال الإمام القرطبي رحمه الله:

[ويجوز على هذا القول أن الله تعالى مثّل له الجنة والنار وصوّرهما له في الحائط، كما تمثل المرئيات في المرآة]. 

ومما يؤيد ذلك ما ورد في حديث صلاة الكسوف في صفة رؤيته ﷺ للجنة والنار حيث قال:

(لقد رأيتُ الآن منذ صليتُ لكم الصلاة الجنة والنار "مُمَثّلتين" في قبلة هذا الجدار) وفي رواية (إنه "صُوّرت" لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط).

وهذه النصوص تذكر صراحة أن الجنة والنار قد (صوّرتا) أمامه ﷺ على الجدار.

والقول الأول أقوى دليلاً وأقرب لظاهر النصوص، وإن كان القولان متقاربين من حيث المضمون.

وقد زاد بعض العلماء قولاً ثالثاً بأن رؤيته ﷺ هنا كانت (رؤية قلبية) كما في قوله تعالى (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض).

إلا أن هذا القول بعيد لأنه يتعارض مع النصوص السابقة الدالة على نظره إليها رأي العين في الحائط ومحاولته الأخذ من ثمار الجنة والتنحي من لفح النار، وكذا النصوص الدالة على دخوله الجنة وتفاعله مع أهلها ورؤيته النار وتفاعله مع ملائكتها.

وأياً ما كان فقد انحلّ الإشكال بحمد الله.

جعلنا الله وإياكم ممن يتمتعون بنعيم الجنة عياناً في الآخرة.

والله تعالى أعلم. 

تاريخ النشر بالميلادي 2022/10/02

المفتي


د. براء يوسف حلواني

د. براء يوسف حلواني

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به