العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 13044
نص السؤال مختصر

كيف لا يخلد العاصي في النار فيدخل الجنة بعد أن يعذب مع من أفنى عمره في الطاعة ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

مذهب أهل السنة أن المسلم المستحق للعقوبة تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وأنه إن دخل النار لا يخلد فيها، قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية : [وقوله صلى الله عليه وسلم: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر [ما معه] من ذلك، ثم يخرج من النار].

وقال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم : [وإن كان صاحب كبيرة مات مصرا عليها فهو ‌تحت ‌المشيئة فإن عفي عنه دخل – أي الجنة - أولا وإلا عذب ثم أخرج من النار وخلد في الجنة والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود في الجنة وقد تقدم هذا كله مبسوطا والله أعلم].

ومن شاء الله أن يعذبه فلا نعلم كم سيُعذّب وبم وكيف، فربما عُذّبوا مئات السنين أكثر أو أقل، وكل ذلك شديد، نسأل الله السلامة.

والقاعدة هي أنه لا يستوي عند الله من التزم أمره وجاهد نفسه مع من اتبع هواه وخالف أوامر ربه، والنصوص في هذا المعنى مستفيضة، منها قوله تعالى : لَّا ‌يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةٗۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا ٩٥ [النساء: 95]، فإن كان هذا التفاوت العظيم بينهم للتفاوت في الطاعة فكيف بالتفاوت بين الصالحين المصلحين والفاسقين المفسدين ؟

وقوله تعالى : ‌أَفَمَن ‌كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ ١٨ [السجدة: 18] ، وإن كان معنى الفسوق هنا الكفر إلا أن اللفظ يعم أهل الفسق من المؤمنين أيضا.

أما من كان كافرا فمهما تنعم في الدنيا ﴿‌فَمَأۡوَاهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ٢٠﴾ [السجدة: 20]، وفي الحديث الصحيح : «‌الدنيا ‌سجن ‌المؤمن وجنة الكافر»

قال ابن هبيرة رحمه الله : [في هذا الحديث من الفقه أن الدنيا سجن المؤمن، من حيث إن الإسلام حابس له بمنعه من كل شيء لا يبيحه له الإسلام، والإيمان قيده في ذلك الحبس، يحول بينه وبين الحركة فيما لا يطابق إيمانه عن أمر من أمر ربه، فإذا خرج المؤمن من هذا الحبس إلى دار الإباحة – أي إلى الجنة - كان في صورة من انتقل من السجن إلى السعة، وهي جنة الكافر، من حيث إنه لا يرد عن شهواته فيها شرع، ولا يقيده إيمان، ولا يرعه ذكر أخرى، فينتقل من السعة إلى الضيق – أي إلى جهنم -، ذلك معنى الحديث].

وعدم خلود المسلمين العصاة في النار هو من عدل الله تعالى، لأنهم آمنوا به تعالى وبرسله وكتبه واليوم الآخر وبجنته وناره ولم يشركوا به شيئا، بخلاف من أشرك به أو أنكر وجوده أصلا، فهذه القضية المفصلية بين أهل النار وأهل الجنة، فكيف يستوي المنكر لوجود الله والمؤمن به العاصي فيُخلدان معا !

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2022/04/20

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به