الفقه الإسلامي - المعاملات المالية - متفرقات - الوقف و القرض و الهبة
رقم الفتوى 12938
نص السؤال مختصر

كيف جعلتم في عطية الأب لأولاده العدل غير المساواة ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟ ومعلوم أن عدم المساواة تولد كرها مهما كان السبب ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

- ينبغي العلم بأن شعور بعض الأبناء بالحسد أو الغيرة أو الانزعاج هو أمر يكاد لا ينفك عن مسألة هبة الوالدين لأولادهما، مهما حاول والداه إرضاء الجميع، غالبا سيعترض بعضهم سواء بحق أو بغير حق سيبقى ساخطاً لكثرة ما يجري في نفسه من مقارنات بينه وبين إخوته، والذي ينبغي على الوالدين فعله هو الأخذ بالأسباب لعدم حصول هذه الغيرة والعمل بما يأمر به الشرع، ثم إن حدث هذا الأمر فلا يعتقدا أن ما فعلاه خطأ إنما سببه نفس ذاك الغيور من أبنائهم.

- إن العدل غير التسوية، مثاله :

لديه ولدان، أحدهما فقير لا يملك قوت يومه، والثاني غني يطوف المال في بيته، فإن سوّى الأب بينهما بأن وهب كل منهما مبلغاً معيناً سيحزن الفقير حزناً شديداً إذ كان الأب في هذه الحالة سبباً في بقاء هذا الفارق المادي بينه وبين أخيه، والصواب هنا أن يعطي الأب ابنه الفقير من المال ما يزيل عنه وصف الفقر ويعينه على نوائب الزمان.

أما إن كان الأبناء جميعهم في حالة مادية واحدة فحينئذٍ العدل هو أن يساوي بينهم في العطية، وعلى هذا المعنى يُحمل قوله صلى الله عليه وسلم : {أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان ؟} رواه مسلم. 

وكل ما ورد بالأمر بالمساواة فيُحمل على الأمر بالعدل، لتعذر حمل العدل على المساواة مطلقاً في كل الحالات.

قال ابن قدامة : [ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء، لا في صفته، فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه].

فإن قيل ترك النبي الاستفصال يدل على أنه أراد مطلق المساواة لا العدل، قيل :

أولاً، إن معنى العدل الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم - شرعاً ولغة - يأبى ذلك دون التفصيل السابق ذكره.

ثانياً : إن [ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال. فإن قيل: لو علم بالحال لما قال { ألك ولد غيره؟}. قلنا: يحتمل أن يكون السؤال هاهنا لبيان العلة، كما قال - عليه السلام - للذي سأله عن بيع الرطب بالتمر: {أينقص الرطب إذا يبس؟} قال: نعم: قال: {فلا إذاً}.

وقد علم أن الرطب ينقص، لكن نبّه السائل بهذا على علة المنع من البيع، كذا هاهنا] قاله ابن قدامة.

وفي المغني أيضاً :

[فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك].

والخلاصة : التفضيل لسبب معتبر شرعاً جائز، ومن أراد أن يهب أولاده فينظر في حاجات كل منهم فيساعدهم بما أمكنه وبحسب أحوالهم، فالأبناء الذكور والإناث مختلفون عادة في الحاجيات، فمنهم من هو بحاجة لنفقات سفر وآخر لتعليم وثالث لزواج ورابع لعلاج إلخ، فيحرص على العدل بينهم في قدر الحاجات المقضية لكل منهم والله المستعان.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2021/10/20

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به