استشارات و نصائح - الاستشارات - استشارات متنوعة - هموم الشباب
رقم الفتوى 12597
نص السؤال مختصر

يتعب الإنسان أحياناً من الحياة، وبالأخص إذا كان يسعى بكل طاقته لرضا الله ورضا والديه ولا يرى سعيه مع والديه يأتي بنتيجة، فيشعر أنه لا شيء في هذه الدنيا يبعث على الراحة إلا العبادة فيشتاق لربه ويشتاق للجنة، والأهم من ذلك أنه يتعب من كد الدنيا فيتمنى الراحة بأي شكل، فهل يعد هذا الشيء تمنياً للموت؟ وهل هو حرام؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فهذا السؤال تضمن عدداً من المسائل الحساسة والمهمة جداً في زماننا، لكثرة ما يتعرض إليه الإنسان من الضغوط بأنواعها، وفيما يلي تفصيل ذلك، لعل الله يبعث في الإجابة ما يريح قلبك وقلبي وقلوبنا أجمعين:

أولاً: فكدح الإنسان لرضا ربه سيلاقيه حتماً في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما، وهذا مصداق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الإنشقاق : 6].

ثانياً: كدحك لرضا والديك هو جزء من كدحك لربك، وليس من كدحك لأجلهما، فانتظر جزاءك من الله ليطمئن قلبك بذلك ويرتاح، فإن حصلت نتيجة كدحك في الدنيا ولو قبل موتك بثانية فهذا من كرم الله وعظيم فضله، وإن لم تحصل منه شيئاً في الدنيا فقد ادخره لك ربك في الآخرة أضعافاً مضاعفة، فلا تبتئس ولا تحزن.

ثالثاً: اجعل إقبالك على الله دائماً ومستقراً، فلا يتأثر بعوارض الدنيا؛ إن جاءتك نشوة الإقبال أقبلت، وإن عرض لك ألم الجفاء انقطعت عن العبادة، ولكن جاءتك نشوة الإقبال أقبلت بقيام الليل وأنواع عبادات المناجاة، وإن عرض لك ألم الجفاء وصلته بذكر الله والتعلق به بالدعاء والثبات وأنواع العبادات الدائمة التي تستطيع عملها في وقت الاستغراق في الدنيا.

رابعاً: تمني لقاء الله يعرض لكل إنسان عندما يشتاق للمحبوب الأعظم جل جلاله، فيسلي نفسه بلقائه في قيام الليل وكثرة السجود وطول السجود، وقد يرى العبد في منامه أثراً لهذا اللقاء، فيرى نوراً لطيفاً كنور الفجر يسري في قلبه، أو يرى نداءً من النبي أو كلاماً معه، أو يرى انتشاراً للإسلام وأخلاقه في الآفاق، وقد لا يرى شيئاً ألبتة. وهذا كله ليس من تمني الموت؛ لأن اللقاء له معنى جسدي وروحي، ولقاء الروح وقربها أو لقاء الأجساد في المنام ليس موتاً.

خامساً: يُكره للمسلم أن يتمنى الموت، لقوله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» [متفق عليه]. فقمة الإيمان وذروته أن يكون المسلم فوق المصيبة وأعظم منها مهما بلغت، فلا يتمنى الموت أبداً ولا يخطر له على بال، وكلما أصابه هو جبال من الحسنات والثواب يناله عند الله تعالى، فإن كان لابد قال ما ذكره النبي في الحديث، والله جل جلاله أعلم بحالك ومستقبلك وأيهما أعظم لك وللناس وللأمة بين الموت والحياة، فهو أعلم بما هو خير لك من الموت أو دوام الحياة.

سادساً: لا يجوز الانتحار شرعاً، وهو من أكبر الكبائر، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء : 29-30]، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [متفق عليه]. ويجب أن تكون هذه الفكرة حاضرة في ذهن الإنسان وراسخة في تفكيره، حتى إذا أصابه مرض من الأمراض النفسية مهما كانت شدته أو مهما تراكمت فوق ظهره هموم الحياة وضغوطها بقيت هذه الفكرة مانعة له من الانتحار.

سابعاً: لا شيء أبعث للطمأنينة في القلب من ذكر الله تعالى، فاحرص عليه في حياتك كلها، واجعله وردك وحصنك، فهو باب الارتباط الدائم بالله والتعلق به. 

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/08/14
اسم المصدر [7]

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به