الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - الطهارة - الأنية و مايلحق بالطهارة
رقم الفتوى 12555
نص السؤال مختصر

ما حكم بول الرضيع على المذاهب الأربعة؟ وهل يختلف الحكم فيما لو كان يتغذى على الحليب الصناعي؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، وبعد:

فبول الرضيعة الأنثى لم يختلف العلماء في نجاسته، وفي وجوب غسله. وكذا بول الرضيع الذكر إذا كان يأكل الطعام.
أما بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام فلا خلاف بين العلماء في نجاسته، لكن وقع الخلاف في طريقة تطهيره على قولين:

1. الحنفية والمالكية: يجب غسل البول مطلقاً إذا وقع على أي شيء لتطهيره، ولا فرق في ذلك بين الكبير والصغير، ولا الرضيع وغير الرضيع.

2. الشافعية والحنابلة: الرضيع الذكر إذا لم يطعم الطعام فيكفي لتطهير ما وقع عليه بوله نضح مكان البول، أي: رشه بالماء، أما إذا بلغ الفطام فيجب غسله كغيره من النجاسات. وقد استدلوا بما روي عَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ رضي الله عنه فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: الْبَسْ ثَوْباً وَأَعْطِني إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ، قَالَ: «إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ»، وفي رواية زاد في آخره: «ما لم يطعم» [أبو داود، النسائي، أحمد].

وهذه الرواية أقوى في حجتهم من رواية البخاري، وفيها: فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ [البخاري]؛ لأن رواية البخاري حكاية فعل، فلعله نضحه ثم غسله فيما بعد قبل أن يصلي، أما رواية أبي داود فظاهرة الدلالة.
وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مؤيداً القول الثاني أن هناك ثلاثة فروق بين بول الصبي والجارية، وهي:

1. كثرة حمل الرجال والنساء للذكور، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليه غسله.

2. أن بوله لا ينزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقاً هاهنا وهاهنا، فيشق غسل ما أصابه كله، بخلاف بول الأنثى.

3. أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر، ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفف من نتن البول، وتذيب منها ما لا يحصل مع الرطوبة.

والفرق الأول والثاني هما من الحكمة وليسا من العلة، ولو كانا علة للحكم للزم وجوب الغسل في زماننا؛ لأن عموم البلوى غير حاصل مع وجود الحفاضات.

أما الفرق الثالث فيجب إثباته بتقرير رسمي صادر عن طبيبين مسلمين مختصين عدلين، فإن ثبت بطريق قطعي ثبت حكم الحديث، وإن لم يثبت بطريق قطعي فهو حكمة وليس علة.
وعلى القول الأول فلا يختلف الحكم فيما لو كان يتغذى على الحليب الصناعي؛ لأن البول نجس مطلقاً عندهم، سواء كان بول صغير أو كبير، وسواء كان بول رضيع برضاعة طبيعية أو صناعية.
أما على القول الثاني فحكم الحليب الصناعي كحكم الحليب الطبيعي في الاكتفاء بالنضح لتطهير ما وقع عليه بول الصبي الرضيع؛ لأنهم علقوا الحكم على عدم أكله للطعام، والحليب الصناعي كالحليب الطبيعي في الخصائص الغذائية، وفي خلوه من المواد الدهنية المركبة، فلا تبقى عالقة في البول.
وقد رتب الحنفية على تعارض النصوص وخلاف العلماء في المسألة أن بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام هو من النجاسة المخففة (التقسيم إلى نجاسة مغلظة ومخففة انفرد به الحنفية)، وعليه فالمقدار المعفو عنه منها هو ما دون ربع الثوب، أو ما دون ربع العضو (كربع اليد أو الرجل)، فإن زاد على ذلك وجب الغسل.
وعلى هذا يمكن إعادة صياغة الخلاف في المسألة في بول الرضيع الذكر الذي لم يأكل الطعام على الشكل التالي لتكون أوضح وأدق:

1. يجب غسله مطلقاً، وهذا عند المالكية؛ لأنه كغيره من أبوال الآدمي.
2. أقل من ربع الثوب أو ربع العضو لا يجب غسله ولا نضحه، وإن بلغ ربع الثوب أو العضو فيجب غسله، وهذا عند الحنفية.
3. يجب نضحه مطلقاً، وهذا عند الشافعية.
وعليه فأرجح ما يلي:
إن كان ما أصابه بول الرضيع الذكر الذي لم يأكل الطعام ضمن الحد المعفو عنه (أقل من ربع الثوب أو ربع العضو) فالاحتياط بنضح مكان البول، أي رشه بالماء؛ لأن القول بذلك هو المقدار الزائد عما قال به الحنفية (فقد قالوا بعدم نضحه ولا غسله، بينما قال الشافعية والحنابلة بنضحه).
وإن كان ما أصابه البول فوق المقدار المعفو عنه (ربع الثوب أو ربع العضو أو أكثر من ذلك ) فالاحتياط بغسله، فهو القول الزائد عما قال به الشافعية والحنابلة (فهم قد قالوا بنضحه، بينما قال الحنفية والمالكية بغسله)، وبالأخص في زماننا مع ندرة خروج النجاسة عن الحفاضات، وكثرة الثياب، وتيسر الماء دون حرج.
مع التنبيه إلى أن دليل الحكم ليس الاحتياط؛ فالاحتياط لا يصلح دليلاً، وإلا حولنا كل أحكام الشريعة إلى التحريم، وإنما هو قاعدة: «إذا تعارض حاظر ومبيح قُدِّمَ الحاظر على المبيح». وبهذا القول الذي رجحتُه نكون قد قدمنا الحاظر في المقدار المشترك من الأقوال.
وحكم الطفل الذي يتغذى على الحليب الصناعي كحكم الذي يتغذى على الحليب الطبيعي.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/07/10

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به