الفقه الإسلامي - قضايا فقهية معاصرة - مستجدات العصر - اجتماعية
رقم الفتوى 11449
نص السؤال مختصر

حكم الشراء عن طريق البنك الربوي بوجود البنك الإسلامي وذلك بسبب فرق التكلفة بينهما ؟

نص السؤال الكامل

شخص متزوج وأب لطفل، مقيم في فرنسا منذ 10 سنوات. أستأجر شقة بقيمة 850 أورو للشهر علما أن قيمة الأجر تزداد كل سنة بنسبة 1% وهذا راجع لبعض الأمور الحسابية لها علاقة بالتضخم الاقتصادي.
إذا أردت شراء مسكن بقيمة 280.000 أورو مثلا، فعندي حلين:
الحل الأول: البنك الاسلامي الوحيد في فرنسا يشتري المنزل ويعيد بيعه لي بـهامش ربح يقدر ب 15.4 % أي بمبلغ 1346 أورو شهريا لمدة 20 سنة (طريقة المرابحة). علما هنا أن المنزل يجب أن يكون موجود ومكتمل وليس في طور الانجاز أو مشروع على الورق. إذا لا أستطيع التدخل في تصميم المنزل وخصوصا أنه لنا ثقافتنا الخاصة التي تجبرنا على عزل المطبخ وغرف النساء على غرفة الضيوف ليس كالمجتمع الغربي. فهنا نشتري المنزل بسعر غالي ثم ندفع مبالغ عالية لإجراء التعديلات عليه. فهذا المبلغ الشهري فعلا كبير ويضعف كاهلي. للعلم هنا الدولة الفرنسية لا تقدم مساعدات عن طريق البنوك الاسلامية.
الحل الثاني : البنك الفرنسي يدفع للموثق الذي يدفع بدوره للمقاول (الذي يتفق معك على تصميم منزلك في البداية) مبلغ السكن. ومن بعدها يطلب منك إرجاع المبلغ بهامش فائدة تقدر ب 8% أي بمبلغ 752.5 أورو للشهر مدة 15 سنة وبعد انتهاء هذه المدة تعطيك الدولة الفرنسية قرض دون فوائد عن طريق نفس البنك بمعدل 850 أورو للشهر لمدة 10 سنوات (أي أن هذا التقسيط أقل بكثير من مبلغ الإيجار الذي أدفعه حاليا وأيسر لي في المدة كذلك ، 25 سنة، على عكس البنك الاسلامي 20 سنة ). في الأخير أتحصل على منزل جديد بالتصميم الذي أريده وفي المكان الذي أريده وفي الطابق الذي أريده وبمبلغ أقل بكثير من البنك الاسلامي.
سؤالي هنا: ما حكم الحل الثاني بالنسبة لنا نحن المسلمين المقيمين في فرنسا؟ مع العلم ان المجلس الاسلامي الأوروبي أفتى بجوازه
السؤال الثاني: إذا كان ديننا الحنيف دين تيسير وليس دين تعسير فلماذا يجبرنا الكثير من الشيوخ على الاستمرار بالايجار ولا الشراء عن الطريق البنوك ؟ علما أن البنك أيسر لنا في الدفع ويسمح لنا في الأخير امتلاك منزل على عكس الايجار الذي يربح منه الكافر أضعاف مضاعفة لا المسلم. فنحن دائما مجبرين على الأتوات الذي تفرضها الوكالات دائما ؟

الجواب مختصر

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحابته أجمعين ، وبعد :

فإن هذه المسألة تُطرح كل حين ، وتكثر فيها شبهات الشيطان وأعوانه ، وتُثار فيها التشكيكات بالشرع ، والمقارنة بين الحلال والحرام ، ونؤكد أن الربا حرامٌ في الشرع والإسلام ، وأنه من أكبر الكبائر ، وهذا ثابت بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع العلماء ، وأن تملّك البيت ليس من الضروريات ، وإن المسلم الحقيقي هو الذي يتمسك بدينه ، ويتحمل أعباءه وتكاليفه ، مهما كان الثمن ولو كان بالتضحية بنفسه وماله في سبيل مرضاة الله وثوابه وأجره ونعيمه في الدنيا والآخرة ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " ، والمسلم هو الذي يستسلم لأحكام الدين دون تفريط بها ، وقد سبق القرآن الكريم حين حكى قول الكفار " إنما البيع مثل الربا " بعد قوله تعالى : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا " البقرة / 275 ، وجاء الرد الحاسم فوراً بقوله تعالى : " وأحل الله البيع وحرم الربا " ثم جاء التهديد والوعيد بقوله تعالى : " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " البقرة / 278 – 279 ، مع التأكيد النبوي على ذلك .
ونقول للأخ السائل مباشرة هذه ضريبة الغربة والإقامة في البلاد غير الإسلامية ، ولعل الأزمة تزداد بسبب وجود بنك إسلامي واحد بدون منافسة من بنوك إسلامية أخرى ، وهذا من تقصير المسلمين في الغرب بعدم فتح عدد من المصارف الإسلامية لتسهل على المسلمين هذا الهدف والغاية ، وإذا عدنا للمقارنة فنذكر السائل أن الزنا والصديقة و (الفرند ) أرخص بكثير وأقل تكلفة من الزواج ، وأن تسييب الأولاد في الشوارع أو تسليمهم للدار التي تؤويهم أقل تكلفة من تربيتهم ، و أن قبول الاحتلال الأجنبي أقل تكلفة وأسهل من المقاومة للتحرير والحرية ، فهل يقبل عاقل راشد بهذه البدائل الرخيصة لاختيار الأقل تكلفة ؟! وإذا كان السائل _ وهو في فرنسا _ يريد التساهل فلماذا يتجه بالسؤال إلينا في أمريكا ، وعنده فتوى مجلس الإفتاء الأوروبي ؟! ونسأل الله تعالى أن يفرج على المسلمين ، وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً ، وأن يرزقنا الاتباع والاهتداء ، والعمل فيما يحبه الله ويرضاه ، والحمد لله رب العالمين .

الجواب الكامل
تاريخ النشر بالميلادي 2019/07/23

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به