استشارات و نصائح - الاستشارات - استشارات متنوعة - الدعوة
رقم الفتوى 11380
نص السؤال مختصر

كيف أشارك بالنهضة الدعوية ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فإنّ الدعوة عملٌ لايقتصر على أمرٍ معيّن ، كما يُظنُّ أنه محصورٌ في دعوة الناس لأداء العبادات، بل يشمل شتّى مجالات الحياة، وغايتها إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع وحمايتهم ، والعمل على بناء دنياهم وآخرتهم.

و الدعوة فردية وجماعية، ويجب على كل مسلم القيام بها بحسب استطاعته ، لقوله صلى الله عليه وسلم في مخاطبة جميع أمته :{ بلغوا عني ولو آية } وهو ما يتم العمل به قديماً وحاضراً.

وأركان الدعوة الجماعية ثلاثة :

١-  مختصون في العلوم الدنيوية :

وخاصة في ظلِّ التطور الهائل جداً على الصعيد العلمي والتقني.

فالدعوة تحتاج الأطباء والمخترعين كما تحتاج المبرمجين والمصممين، بل إننا اليومَ بحاجةٍ لمختصين يخلقون لنا فنوناً إسلامية تُظهر سماحة ديننا وتُرّغب به، وتعرّف عنه، تحلُّ محلَّ الانحلال الأخلاقي الذي يُسمّونه زوراً و بهتاناً { فناًّ راقياً }.

و تتجلى دعوة هؤلاء في تسخير العلم لخدمة الدين وأهله، وهذا مانراه من بعض المختصين في علوم مختلفة، كالدكتور باسل الطائي في الفيزياء الكونية، والدكتور إياد القنيبي في علم الأدوية ، وغيرهما الكثير ممّن يبذل وقته وجهده ليُنافح عن هذا الدين القويم وليحمي أهله وليحفظ عليهم دينهم.

٢- مختصون في العلوم الشرعية :

والاختصاص لايتوقف عند شهادةٍ مهما علَت، بل هو طلبٌ للعلم دون انقطاع، فطلب العلم عند العلماء ينتهي بموتهم، لأنَّ العلم لايُحاط به، ومهما بلغ العالم من العلم يبقى ماجهله أكثر مما علمه.

٣- المال :

وهو عصب الدعوة بلا شكٍّ، ومن آثار استغلال الكنيسة للمسيحيين ونهب أموالهم  رفضُ كثيرٍ من المسلمين فكرة الرّبط بين المال والدين ، اعتقاداً منهم أنّ كلَّ من طلب المال فهو يستغلُّ الدين لمصالحه الدنيوية ! وهذا وإن فعله بعض المعتدين فلا يُبيح التعميم !

فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطلب من صحابته الكرام أن يتصدقوا، وخاصة عند المعارك والغزوات لحاجتهم للمال. فالمسألة ليست في ربط المال بالدين ، إنّما في ثقة المسلمين بعلمائهم، وهدم هذه الثقة هو دأب أعداء الدين بكلِّ ما يملكونه من جهدٍ ومالٍ.

فكم من مسلسلٍ يُعرض الآن يُستهزأ فيه برجال الدين ويُنسب لهم سوء القول والفعل والمتاجرة بالدين ؟ والمتابعون المسلمون يتشربون ذلك دون ممانعةٍ منهم.

وعلى افتراض أن المسلم دفع مالاً لمن يُتاجر بالدين، فلايضره إذا قبلها الله منه، وعلى المتاجر بدين الله لعنة الله والناس أجمعين.

وقد يفرّق البعض في مسألة التدريس، فيُستنكر طلبُ الشيخِ المعلمِ المالَ ، بينما يتقبّل ما لو طُلب المال من قبل المصمّم أو المسؤول الإعلاني مثلاً.

والحقُّ أنّه لافرقَ، فالمختص بالعلوم الشرعية اليوم قد أفنى حياته في طلب العلم ومصدر رزقه التدريس، تماماً كالطبيب الذي أفنى حياته في العلم و مصدر رزقه الطب ، ولا يُنظر للمادة على أنها شرعية ، ولايُنظر لصفة العمل بكونه تدريساً ؟ فلم يُكال الأمر بمكيالين ؟

وقيمة المال تتضح في الأعمال التطوعية، والتي تقوم عليها أكثر الأعمال الدعوية، فالمتطوع غالباً غيرُ مُلزمٍ، يضع العمل الدعوي على هامش أعماله اليومية، لأن سعيه في كسب رزقه أولى، ويفتقر للالتزام بالمواعيد، وإتقان العمل ، إذ ما يعمل به ليس من اختصاصه، أما المتطوع المختص { بعلم ديني أو دنيوي } فمتقنٌ لعمله، لكنه محكومٌ بضيق الوقت، فيحتاج العمل حينئذٍ خمسةً من المختصين المتطوعين يقومون في كمية الإنتاج مَقام مختصٍ واحدٍ متفرغٍ بأجرٍ مادي.

فيستحيل قيام عملٍ دعوي متميّز مستمر تفيد منه شريحةٌ كبيرة دون تمويل مادي، و بضعف التمويل يضعف العمل.

وعليه فإن فقدان أحدِ الأركان الثلاثِ يُؤدي إلى خللٍ واضحٍ في العمل الدعوي.

والأعمال الدعوية كثيرةٌ جداً، ولكنها غالباً تفتقر واحداً من أركانها، وترميمها خيرٌ من الشروع في تأسيس غيرها.

نسأل الله أن يجعلنا هداةً مهديين وأن يُسخرنا لخدمة دينه القويم.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/07/04

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به