استشارات و نصائح - الاستشارات - استشارات متنوعة - الدعوة
رقم الفتوى 11215
نص السؤال مختصر

متى تكون النصيحة واجبة ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فالنصيحة الواجبة يُقصد بها الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، وحكمه أنه واجب كفائي أي يلزم الجماعة العالمين به القادرين عليه، فإن قام به بعضهم سقط الواجب عن الجميع، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع.

والمعروف هنا هو الواجب المتفق على وجوبه، والمنكر هو الحرام المتفق على حرمته، ، فلا يصحُّ الإنكار في المختلَف فيه اختلافاً سائغاً، أو بناءً على آيةٍ ظاهرُها التّعارض مع فعل المُنكر عليه، إذ الأحكامُ الشّـرعيّة لا تُستنبط بهذه البساطة، وقطعاً لم تفُت الآيةُ الفقيهَ بل اطّلع عليها وعمل بها في ضوء بقيّة النّصوص.

والقاعدة التي تحكمه : هي ارتكاب أخف الضررين، فإن كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يسبب ضررا أكبر فلا يأمر ولا ينهي.

وطريقة الأمر والنهي تختلف باختلاف الموقف والشخص الذي يُراد أمره أو نهيه وعلاقة الآمر والناهي به، فقد تكون بالقول وقد تكون بالفعل، وأقلها الإنكار في القلب لمن لم يستطع أكثر من ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : «‌من ‌رأى ‌منكم ‌منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.

وليصح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي :

* العلم بأن الأمر الفلاني معروفٌ أو منكرٌ: وهذا يعلمه طلبة العلم، فلا يصحُّ الإنكار بناءً على ما تربّى عليه المسلم، لاختلاطه بالعادات والتّقاليد الّتي كثيراً ما تُخالف الدّين، فتشدِّد أمراً يسَّـره الشّرع وتُيسِّر ما شدَّده الشّرع.

وممّا ينبغي التّنويه له:

- إنَّ كثيراً مايُدّعى الإجماع لإنكار القول المخالف، ولا يكون إجماعاً صحيحاً، كما يُنكر الإجماع الصّحيح في مسألةٍ ما؛ ليكون قول المخالف معتبراً، فالتّثبُّت من صحّة الإجماع لايستطيعه إلّا كبار العلماء، أمّا المسائل المعلومة من الدّين بالضّرورة فهذه يعلمها كلُّ مسلمٍ.

- إنَّ ما يفعله البعض من قراءة عدّة فتاوى ومتابعة مجموعة محاضراتٍ لا يجعل منه عالماً، ولا يُبيح له الإنكار على غيره إلّا أن يُحيط بالمسألة علماً، وهذا لايمكن تحصيله إلّا بتتبُّع المسألة في كتب أهل العلم، بالإضافة إلى أنَّ المُفتي قد يُخطئ، فيبتدع أو يكفّر فلا يعلم خطأه إلّا طالبُ العلم أو العالم، لذا لا يحقُّ للعاميّ الإنكار على غيره معتمداً على ما سمعه، ويجوز له العمل به لنفسه.

- إنَّ ماسبق ليس معناه حصر الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بكبار العلماء، إنّما يصحُّ للعوامّ أيضاً في الأمور الّتي اشتُهرت حُرمتها، كشرب الخمر والفوائد البنكيّة وإثارة الغرائز وغير ذلك، ويجوز التّنبيه في بقيّة المسائل ما لو علم المسلم حكمها وعلم جهل المنصوح، مثاله: رأى عمر صديقه زيداً قد لمس يد المحاسبة بالخطأ أثناء إعطائها النّقود ثمّ صلّى، وعمر يعلم أنّ ماحدث ينقض الوضوء عند الشّافعيّة، ولايعلم حكم بقيّة المذاهب، فإن كان يعلم أنَّ زيداً لايعلم الحكم إطلاقاً ولا على أي مذهب، فيُستحَبُّ حينئذٍ لعمر أن يُعلِم زيداً بما يعلمه، فيقول له هذا الحكم عند الشّافعيّة أمّا البقيّة فلا أعلم. وكذلك لو شكَّ بعلم زيدٍ بالحكم.

أمّا إن علم أنّ زيداً فعل ذلك عن علمٍ، فلا إنكار في المختلَف فيه كما سبق، إلّا أن يعلم أنَّ فعله محرّمٌ إجماعاً عن جهلٍ بالحكم أو مبنيّاً على حكمٍ غيرِ معتبرٍ، فحينئذٍ يُنصح.

من الآداب:

إن كان المنصوح صاحبَ مكانةٍ أو كان النّاصح أصغر منه، فلْيحاول ألّا يباشر النّصيحة قدر الإمكان، ولْيبحث عن طريقةٍ غير مباشرةٍ، كذلك إن خاف على نفسه الرّياء، أو خشـي عدم تقبُّل المنصوح نصيحته.

ويصحُّ تأخير النّصيحة الواجبة لحاجة، كأن يكون التّأخير لتكون من شخصٍ يتقبَّل منه المنصوح، أوالطّريقة أنفع من لو كانت النّصيحة حالاً، وأكثر الطّرق غير المباشرة شيوعاً هي نصب النّصيحة في طريق المنصوح على وسائل التّواصل الاجتماعي دون أن يشعر أحدٌ، أو بذكر النّصيحة بحضوره من باب النّصح لغائبٍ {هذا إن كان المنصوح لا يعلم أنّ النّاصح يعلم بحاله}.

أن يكون الأسلوب حسناً، فإن أساء حتّى صدَّ المنصوح عن الامتثال لأمر الله تعالى فيأثم، وهذا لايبيح للمنصوح التّرك بل كذلك يأثم لتركه أمر ربِّه، ولكنَّ الفرق أنَّ النّاصح آثمٌ أيضاً.

ويجوز إغلاظ القول لحاجةٍ كعلمه أنّه لا يرتدع إلّا بهذا الأسلوب.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/05/21

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به