الفقه الإسلامي - أصول الفقه - مسائل أصولية - متفرقات ( أصول )
رقم الفتوى 11170
نص السؤال مختصر

ماصفات العالِم الذي يصح أن يُستفتى ؟ وكيف يتعامل المسلم مع اختلاف الفقهاء عند تعارض أقوالهم ؟ وهل يلزمه التقيد بمذهب معين ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

فممّا ينبغي للمسلم معرفته :

* أنَّ الفتوى إمّا أن تكون صادرة من عالمٍ أو جاهلٍ، وفتوى العالم قد تكون معتبرةً ؛ فيُعمل بها أوغير معتبرةٍ فلايجوز العمل بها.

* وأنَّ لاعتبار قول العالم عدّة شروط، كأن يصدر من عالمٍ، وألّا يُخالف إجماعاً قطعيّاً، وألّا يكون صادراً عن أصلٍ غير معتبرٍ ، وغير ذلك ممّا ذكره أهل العلم في كتبهم، والتّمييز بين القول المُعتبر وغير المُعتبر لايُحسنه إلّا الرّاسخون في العلم.

* وأنَّ الرّاجح أنّه لا يلزمه اتّباعُ مذهبٍ معيّنٍ في كلِّ المسائل .

* وأنَّ كلَّ قولٍ معتبرٍ صادرٍ من عالمٍ مجتهدٍ معتبرٍ له حظٌ من التّقليد.

* وأنَّ فتوى المفتي لاتُبيح له ما سأل عنه، إذا كان يعلم أنَّ الأمر في الواقع بخلاف ما أفتاه، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيّده بالكتاب والسُّنَّة، أو لأنّه معروفٌ بالفتوى بالحيل و الرّخص المخالفة للشّرع.

* وأن للمُفتي ثلاثةَ شروطٍ ينبغي اجتماعُها به ليكون أهلاً للإفتاء، فإن اختلَّ منها شرطٌ لا يُستفتى :

1- أن يكون عالماً : 

ويُقصد هنا كونه فقيهاً، فلايجوز استفتاء الجاهل، ولا غير المختصِّ بالفقه كالدّاعية وإمام المسجد و خطيب الجمعة والمفسّر و المحدِّث وغيرهم { إلّا إن نقلوا عن الفقهاء، أو جمعوا مع تخصُّصهم علم الفقه، وهذا يندر في عصرنا الحالي } وهذا لايحطُّ من قدرهم، إنّما لأنَّ الإفتاء يستلزم رسوخاً في العلم وغوصاً في الجزئيّات ممّا لاقدرة لغير المختصِّ عليه، كما أنّه لايصحُّ سؤال الفقيه عن مسألةٍ حديثيّة أو عقائديّةٍ.

والضّابط في معرفة كونه عالماً ليس الشّهادات الأكاديميّة أو المناصب الدينيّة، إنّما من شهد له الفقهاء برسوخه في العلم و كان صوابه يغلب على خطئه.

2- أن يكون عدلاً :

فلايُسأل متّبعٌ للهوى، ضعيفُ التّديّن، لأنّه من المعلوم أنَّ شهادة الفاسق تُردُّ فكيف بفتواه ؟

والضّابط القدح في عدولته  : 

تعمُّده ارتكاب الكبيرة من غير عذرٍ بجهلٍ أو تأوّلٍ أو إكراهٍ، ومن غير أن يُحيط بارتكابه الكبيرة قرائن تدلُّ على إعذاره الإعذارَ الّذي يدلُّ على أنّه غير مستخفٍ بالحرمات.

أو ارتكابه لصغيرةٍ احتفت بها أمورٌ تدلُّ على استخفاف مرتكبها بالمحرّمات، كدرجة الاستخفاف الّتي نعرفها من مرتكب الكبيرة، مالم يُعرف بتوبةٍ صادقةٍ منها.

3- ألّا يكون له منهجٌ كليٌّ في الاستدلال أو الاستنباط يُخالف منهج السّلف {وحجيّة منهجهم و قطعيّته مبسوطةٌ في كتبهم }، فإن خالف بشكلٍ كليٍّ سقطت أحقيّته في الإفتاء، بشرط أن يكون منهجه الكليّ هذا يحيد بأحكامه غالباً عن الصّواب، فيجعل خطأه أكثر من صوابه، لأنّ النّتيجة المترتبة على استفتاء سالكِ هذا المنهج تُساوي نتيجة استفتاء الجاهل { أي غلبة خطئه على صوابه }، و يمكن معرفة منهج أيِّ مفتٍ بسهولةٍ ويسرٍ من خلال سؤال أهل العلم عنه، { فمن البديهيّات العقليّة أنّه لايُقيّم تمكّن الطّبيب من اختصاصه إلّا من طبيبٍ مثلِه، وهذا ليس كهنوتاً، فتعلّم العلم مُيسّرٌ ومُتاحٌ لكلِّ من طلبه، بل إن العلماء يُنفقون أعمارهم في التّدريس وكثيراً مابلغ التّلميذ في العلم مالم يبلغه معلمه }.

فإن تعارضت أقوال العلماء المعتبرين :

* فإن ظهر له رُجحان قولٍ على قولٍ بناءً على دليل كلِّ قولٍ، فيأخذ بما رجّحه الدّليل { حسب ظنّه }، فالمجتهدان بالنّسبة إلى العاميّ كالدّليلين بالنّسبة للفقيه المجتهد، ويجوز للمستفتي طلب الدّليل، ويجوز للمفتي ألّايذكره إن كان ممّا يخفى على المستفتي إداركه.

مع التّنبيه أنَّ ترجيح المستفتي ليس ذاته ترجيح العالم المجتهد إذ تختلف المآخذ، فترجيح العاميّ لنفسه ومبناه الظّنُّ، وترجيح المجتهد لنفسه ولغيره و مبناه العلم.

* فإن استعصى على المستفتي معرفة الأرجح حسب ظنِّه :

أخذ بقول الأكثرين من أهل العلم، لأنّ احتمال محالفتهم للصّواب أقوى.

* فإن تساوى العدد من المختلفين أوتقارب حتّى لم يعد للاختلاف مزيّة، أو لم يعلم إلّا قول اثنين من المفتين :

أخذ بقول من يظنُّه الأعلم والأتقى، ولذلك أماراتٌ كخضوع العلماء لعلمه أو استفاضة ذلك عند طلبة العلم وغير ذلك.

* فإن عجز عن معرفة الأتقى و الأعلم :

أخذ بالأحوط من أقوالهم.

* فإن كان الأحوط يسبّب له مشقةً وضيقاً :

أخذ بالأيسر من أقوالهم.

ولزيادةٍ في التّفصيل واستعراضٍ للأدلّة يُنصح بالعودة لكتاب { اختلاف المفتين - للشّريف حاتم العوني } الّذي منه اقتُبِس جلُّ ماسبق.

والله تعالى أجلُّ وأعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/05/10

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به