أ. أحمد دعدوش
سواء كان هناك عقد شرعي مبدئي (قبل الدخول) أو مجرد خطوبة لفظية، فهذه المرحلة لا بد منها للتأسيس لعقد الزواج الشرعي القانوني الذي ستترتب عليه تغييرات كاملة في حياة الطرفين، وكي لا يحصل الندم، أقدم هذه النصيحة بأكبر قدر من الاختصار:
1. أرى ألا تكون هذه الفترة أقصر من ثلاثة أشهر للضرورة، وألا تزيد عن سنة إن أمكن.
2. يجب أن تكون هناك فرص كافية للتعارف وجها لوجه قدر المستطاع وليس عن طريق الهاتف والإنترنت، وإذا كان أحدهما مسافرا فتمديد مدة الخطوبة حتى عودته أفضل بكثير من التعجيل في اتخاذ قرار الزواج بناء على التعارف عن بعد.
3. يجب أن يضع كل منهما في ذهنه مهمة أساسية وهي اكتشاف الآخر وليس التودد إليه، واكتشاف عيوبه قبل حسناته. ومع أن القاعدة العامة هي حسن الظن بالمسلم، لكن يجب هنا أن يساوي كل منهما احتمالات حسن الظن مع الشك، لأن الطرف الآخر سيبدي لاشعوريا أفضل ما لديه حتى لو كان لا يتعمد الكذب والنفاق.
4. التعارف يبدأ بطرح أسئلة جوهرية تحدد الملامح العامة للشخصية ورؤيتها للعالم ونمط العيش، لكن التفاصيل لا تظهر بالأسئلة والأجوبة بل بالتجربة ومراقبة كل طرف لسلوك الآخر.
5. الخطيئة الكبرى التي لا تغتفر في هذه المرحلة هي السقوط في الحب الرومنسي .الرومنسية تعني عمى البصر والبصيرة عن رؤية أي عيب، ثم تبرير لاشعوري لكل عيوب الطرف الآخر. والرومنسية ليست سوى مرحلة عابرة في حياة الناس ولا توجد حالة واحدة في التاريخ لاستمرارها مدى الحياة، فلا بد إذن من اتخاذ قرار الزواج بعيدا عن الرومنسية تماما.
6. بعد اقتناع كل طرف بأنه حصل على قدر كاف مبدئيا من المعلومات عن الآخر يجب قطع التواصل نهائيا بينهما. قد يكون قرارا صعبا، وخصوصا إذا كانا قد دخلا فعلا في عالم الرومنسية. إذا لم يصبر أحدهما واتصل بالآخر فعلى الثاني أن يكون أقوى وأن يحمله على الصبر، ويجب أن يعود كلاهما إلى الابتعاد تماما. بعد بضعة أيام ستزول لوعة الشوق وتهدأ النفس، وسيبدأ العقل بالتفكير في كل ما مضى وربط الخيوط ببعضها والتفكير بالمستقبل.
7. أهم الأسئلة التي يجب أن يفكر فيها العقل بهدوء هي: هل تتوافق الخطوط العامة للشخصية ولرؤيتنا للحياة؟ هل يستحق ثقتي ويمكن أن أستأمنه على نفسي وعرضي وأولادي ومالي؟ هل أنا مقتنع بالمظهر الجسدي للطرف الآخر بالقدر الذي يكفي للتعفف؟ هل سنتمكن من تخطي المشاكل والخلافات التي ستنشأ حتما بعد الزواج؟ هل هو الشخص المناسب لأقضي معه شيخوختي بعدما يكبر أبناؤنا ويرحلون؟
8. أهم مغالطة يجب التخلي عنها عند التفكير في هذه الأسئلة: "يمكنني تغيير الشخص الذي أحبه بعد الزواج"، أو "أنا متفائل بأنه سيتغير من أجلي". هذا الحلم الرومنسي يحدث في السينما والروايات غالبا، لكنه نادر جدا جدا في الحياة الواقعية، ومن يبني قرارا جوهريا في حياته على احتمال كهذا سيندم لاحقا.
9. يجب التخلي أيضا عن تأثير عامل الاستعجال على العقل. بعض الفتيات يصيبهن الرعب من فوات فرص الزواج بعد الثلاثين، وبعض الشباب تدفعهم الشهوة والحاجة للتعفف، وقد يندفع كلاهما بالرغبة في التخلص من الحياة الأسرية المفككة أو الحاجة للسفر والهجرة إلى مكان أفضل. هذه العوامل تعطل العقل وتؤدي غالبا إلى الندم بعد الزواج بفترة قصيرة.
10. يجب أن يكون القلب مطمئنا بنسبة 75% على الأقل إلى أن أجوبة الأسئلة السابقة إيجابية، لأن النسبة ستقل تدريجيا -في الغالبية الساحقة من الحالات- بعد الزواج، ولو بقيت في حدود 50% فسيكون الزواج ناجحا.
11. بعد شهر على الأقل من التفكير وانقطاع التواصل، سيكون اتخاذ قرار الزواج ممكنا بالعقل والحكمة، مع استشارة المقربين وكبار السن، واستجواب أصدقاء وأعداء الطرف الآخر عما قد يخفى، واستخارة الله بإخلاص.
12. إذا كانت نسبة الرضا والقناعة أقل من 75% فأنصح بشدة بعدم المتابعة، حتى لو كان هناك حب ورومنسية وأحلام كبيرة وهدايا متبادلة وذكريات جميلة، فكل هذا سيزول حتما وينقلب إلى عذاب وجحيم لا يطاق لاحقا، والعاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من يظن أنه سيعيد اختراع العجلة.
والله أعلم