إدارة الموقع
قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواهُ مسلم (1631) .هذا الأصلُ و هوَ أنْ يُبقيَ المرءُ عملاً صالحاً ينفعُهُ بعدَ موتِهِ
أمَّا الواقعُ فنجدُ أنَّ أغلبَنا يكتبُ في وصيَّتِهِ أنْ إذا مِتُّ تصدَّقُوا عنِّي كذا و يسردُ الكثيرَ مِنْ أعمالِ الخيرِ .
السُّؤالُ ما الّذي يمنعُنا مِنْ أنْ نعملَ الخيرَ في حياتِنا ؟
أنْ نُنشِئَ الصَّدقاتِ الجاريةَ و نحنُ بِكاملِ عافيتِنا ؟
فكمْ مِنْ أسرةٍ اختصمَتْ بعدَ موتِ والدِهِم في إخراجِ ما وصَّى بِهِ مِنْ صدقاتٍ ، و كمْ مِنْ ولدٍ ظنَّهُ أبوهُ أنَّهُ بارٌّ بِهِ ولمَّا ماتَ استكثرَ عليهِ صدقةً يجبرُ بِها خاطرَهُ ، في الوقتِ الّذي يُنفقُ الولدُ ما ورثَهُ من أبيه على زوجتِهِ و أولادِهِ ناسياً مَنْ باتَ ليلتَهُ تحتَ الأرض ينتظرُ منْهُ أقلَّ صدقةٍ .
هذا الولدُ ليسَ بِقصَّةٍ خرافيةٍ مُخترَعَةٍ إنَّما هوَ الغالبُ الشَّائعُ في مجتمعِنا ، و إنْ أنفقَ عنْ أبيهِ لكنَّهُ يُنفقُ على خجلٍ ، ولو قُدّرَ لِوالدِهِ أنْ ينطقَ لَقالَ " ظننْتُ فيكَ أكثرَ منْ ذلكَ ، و قدْ خابَ ظنِّي "
و المرءُ فينا ليسَ مضطرّاً لأنْ يضعَ نفسَهُ في هذا الموقفِ طالما رزقَهُ اللهُ أسبابَ أعمالِ الخيرِ .
إنَّ الصَّحابةَ كانُوا يعتقدون أنَّ يومَ القيامةِ قدِ اقتربَ، لقدْ مرَّ ألفٌ وأربعُمئةِ عامٍ و همْ تحتَ الأرضِ، و قدْ عاشَ كلٌّ منهْم ما متوسِّطُهُ سبعون عاماً فقطْ ، إذاً - واللهُ أعلمُ - الحياةُ طويلةٌ تحتَ هذهِ الأرضِ وقد تكون أضعاف ما عاشه المرءُ ، و خيرُ ما يصحبُهُ المرءُ معَهُ عملُ خيرٍ يُؤنسُهُ و يجبرُ خاطرَهُ إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ .
قدْ يظنُّ أحدُنا أنَّ الصَّدقةَ الجاريةَ هيَ لأصحابِ الأموالِ و إنْ تمعَّنَ وجدَ أنَّهُ إنْ صدقَ النِّيَّةَ سيرزقُهُ اللهُ عملاً خالصاً متقبَّلاً يجري ثوابُهُ إلى يومِ القيامةِ .
فنرى بالعلم أسس الإمامُ الشَّافعيُّ مذهباً يعملُ به الملايينُ من العالمِ الإسلاميّ حتَّى يومنا هذا وإلى يومِ يُبعثون .و قد مرَّ أكثرُ من ألفِ عامٍ على وفاتِهِ .
وبالقدوة الحسنة خرّجَ الدَّاعيةُ ( أحمدُ ديدات ) الّذي لمْ يُكملْ تعليمَهُ الجامعي د. ذاكر نايك الّذي دخلَ على يدِهِ الإسلامَ مالا يعلمُ عددُهُم إلَّا اللهُ .
و بِالتَّربيةِ الصَّالحةِ بعدَ توفيقِ اللهِ صنعَتْ لنا أمُّ البخاريّ الإمامَ البخاريّ ، فَهمْ في الأجرِ سواءٌ ، و إنْ كانَتْ أمُّهُ لاتحملُ الشَّهادةَ الإعداديَّةَ .
وبالإنفاق تكفّلَ أحدُ التُّجارِ بِالإنفاقِ على الإمامِ الشَّافعيُّ لِيتفرغَ لِلعلمِ ، فَهمْ في الأجرِ سواءٌ، و إنْ كانَ التَّاجرُ لا يعلمُ أكثرَ منَ الأحكامِ الواجبةِ.
وبالدعوة موقعُ الدّكتور محمَّد راتب النَّابلسيّ يدخلُهُ يوميّاً قرابةُ مليوني زائرٍ حولَ العالمِ من الجنسيّاتِ المختلفةِ ، و يُحمّلُ منْهُ قرابةُ مليوني ملفٍ .( أيْ قرابةُ أربعةٍ وعشرين زائراً و ملفاً يُحمّلُ في كلِّ ثانيةٍ ).
هذهِ بعضُ الأمثلة و الكلامُ في ذلكَ يطولُ و منَ النّاسِ منْ يتفنَّنُ في تسخيرِ نعمِ اللهِ عليهِ في مشروعِ تخرّجِهِ من هذهِ الحياةِ ، ولا يخفى على أحدٍ أنَّ جميع أعمالهم كانَتْ بدايتُهُا بذرةً, ولكن صدقُوا اللهَ فرزقَهُم ثباتاً في جذورِ الخيرِ إلى يوم القيامة, و على خُطاهم نمضي بِعونِ اللهِ تعالى .
كيفَ يمكنني إبقاءُ عملٍ صالحٍ إلى يومِ القيامةِ بِحسبِ إمكانياتي ؟
أصحابُ الإمكانياتِ البسيطةِ:
١- إعارةُ فستانِ الزَّفافِ والذَّهبِ لِلفتياتِ اللّواتي اقتربَ يومُ زفافِهِنَّ من الأقاربِ والأبعدِ فالأبعدِ .
٢- إعانةُ الزَّوجةِ لِزوجِها بِأنْ تُسقطَ بعضَ الأوقاتِ المخصَّصةِ لها لِيتفرغَ لِلتَّعليمِ وطلبِ العلمِ .
٣- تعليمُ طفلٍ سورةَ الفاتحةِ .
٤- تعليمُ الاغتسالِ لِليافعِ الّذي قاربَ على البلوغِ .
٥- تعليمُ الآنسةِ الصَّلاةَ لأطفالِ الرَّوضةِ .
٦- تأجيرُ البيتِ الفارغِ المغلقِ أو غرفةٍ مستقلَّةٍ معَ ما يلحقُها منْ منتفعاتٍ بِمبلغٍ زهيدٍ لِشابٍّ يريدُ الزَّواجَ والزَّواجُ بِحقِّهِ فرضٌ، أو أسرةٍ فقيرةٍ فقدَتْ المسكنَ .
٧- التَّبرعُ بِثوبٍ جديدٍ أو قلمٍ أو محفظةٍ أو أيّ شيءٍ ممَّا اشتراهُ المرءُ حبَّاً لَهُ قال تعالى : {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران : 92] .
٨- تخصيصُ المعلّمِ ( و خاصةً المعلّمَ الفقيرَ ) حصَّةً أسبوعيَّةً جماعيَّةً لأكثرَ منْ طالبٍ فقيرٍ كَبُرَ أو صَغُر لِتقويتِهِم بِمادَّةٍ معيَّنةً ، و انتظارُ أجرِ عملِهِ منَ اللهِ تعالى لا منَ الطَّالبِ ، كذلكَ الطَّبيبُ و المحامي و بقيةُ المهنِ منْ تخصيصِ قسمٍ يُبتغَى بِهِ رضى اللهِ تعالى .
٩- تعليمُ طفلٍ أعجميٍّ القراءةَ والكتابةَ بِاللّغةِ العربيَّةِ حتَّى يقرأَ القرآنَ كحدٍّ أدنى و هوَ بِدورِهِ يوماً ما سيعلِّمُ أسرتَهُ .
١٠- إهداءُ نسخةِ قرآنٍ لِمنْ يحفظُ كتابَ اللهِ .
١١- إبقاءُ نسخةِ قرآنٍ واحدةٍ لكلِّ شخص ٍ في المنزلِ ووضعُ البقيَّةِ في المسجدِ أو لِمنْ يحتاجُها .
١٢- تعليمُ تلاوةِ الفاتحةِ لِكبارِ السِّنِّ حتَّى تصحَّ صلاتُهُم كحدٍ أدنى .
١٣- تقديمُ الكتبِ الّتي أنهاها الطَّالبُ الجامعيُّ لِلطَّالبِ المستجدِّ سواءٌ أكانت كليَّةً شرعيَّةً أمِ اختصاصاتٍ أخرى .
١٤- تسخيرُ الخبرةِ والمكانةِ في حلِّ مشاكلِ النَّاسِ والإصلاحِ بينَهُم.
١٥- تسخيرُ كثرةِ المعارفِ في إيجادِ الفتاةِ الصَّالحةِ لِلشَّابِّ الصَّالحِ و بالعكسِ .
أصحابُ الإمكانيَّاتِ الجيَّدةِ :
١- تزويجُ شابٍّ مسلمٍ أو المساهمةُ في ذلك بِشراءِ ما يخفِّفُ عنْهُ التَّكاليفَ .
٢- دفعُ تكاليفِ عمليَّةٍ جراحيَّةٍ لِلفقيرِ الّذي أوشكَ على الهلاكِ .
٣- شراَءُ كراسٍ لِذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ ووَقُفُهَا في أماكنِ تواجدِهِم .
٤- التَّكفلُ بِنفقاتِ طالبِ علمٍ شرعيٍّ أو أحدِ الاختصاصاتِ الجامعيَّةِ الأخرى منَ الطِّبِّ وغيرِها ممَّا يعودُ نفعُهُ على المجتمعِ .
٥- كفالةُ يتيمٍ .
٦- طلاَّبِ العلمِ الّذينَ حالَ بينَهُم وبينَ إكمالِ التَّعليمِ فقرُهُم بِشراءِ ما يلزمُهُم منْ كتبٍ ، مساعدةُ.
٧- التَّكفُّلُ بِشراءِ الدَّواءِ شهريَّاً لِلمريضِ المزمنِ .
أصحابُ الإمكانيَّاتِ الممتازةِ :
١- افتتاحُ مشروعِ عملٍ هدفُهُ تشغيلُ العاطلينَ عنِ العملِ ( ذوي الخبرةِ و أصحابِ الأسرِ الفقيرةِ )و تعودُ أرباحُهُ على المشاريعِ الخيريَّةِ .
2- افتتاحُ مركزِ تعليمٍ شرعيٍّ أو جامعةٍ شرعيَّةٍ ( أو المساهمةُ بِذلكَ )
3- افتتاحُ موقعٍ إلكترونيّ لتعليمِ العلومِ الإسلاميَّةِ،(جامعةٍ أوأكاديميَّةٍ عن بُعدٍ (.
4- افتتاحُ مركزٍ طبيٍّ أو مشفىً أو المساهمةُ بِذلكَ .
5- إنشاءُ بناءٍ في أحدِ المناطقِ الرِّيفيَّةِ فيه شققٌ سكنيَّةٌ صغيرةُ الحجمِ لِلعائلاتِ الّتي فقدْتِ المسكنَ .
6- تسجيلُ مجموعةِ نساءٍ بِدوراتٍ تدريبيَّةٍ لِيتعلّمْنَ مهنةً تناسبُهُنَّ ، ثُمَّ شراءُ معدَّاتٍ لَهُنَّ حتَّى يستقللْنَ بدخلٍ يُنقذُ أُسَرَهُنَّ .
7- رفعُ رواتبِ الموظَّفينَ الملتزمينَ المقبلينَ على الزَّواجِ .
علماً أنَّ كلَّ هذهِ المشاريعِ يمكنُ أنْ تكونَ بِرأسِ مالٍ متواضعٍ أو أكثرَ ، حَسْبَ إمكانيَّةِ صاحبِ المالِ .
مع التنويه أن كلُّ أعمالِ الخيرِ الأَوْلَى تقديمُها لِذوي القُربى ثمَّ الأبعدِ فالأبعدِ .
إذ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ (الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة )
أخيراً, قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( الدَّالُ على الخيرِ كَفاعلِهِ ).
و الحمدُللهِ ربِّ العالمينَ , والله تعالى أعلم.