إدارة الموقع
فإنك لو سألت أي مسلم اليوم لماذا خلقنا الله ؟ لكان الجواب فوراً: خلقنا لنعبده والدليل قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهنا يقفز إلى الذهن سؤال يتغافل عنه البعض ويسأله آخرون: ولماذا خلقنا لنعبده وهل هو بحاجة عبادتنا، ويأتي الجواب فورا ً: الله تعالى غني عن عبادتنا له ولكنه جلّ جلاله أراد أن نعبده من أجلنا نحن لا من أجله هو. وهنا يسكت البعض ولو لم يقتنعوا ويناقش البعض الآخر
والسؤال هنا هل خلقنا الله لنعبده بمعنى أن سبب الخلق هو العبادة أم علة الخلق هي العبادة، و بعبارة علماء المقاصد هل مقصد الشارع من خلق عباده أن يعبدوه؟
أولاً : ينبغي أن نفرق بين المقصد والوسيلة، وحتى أبين ذلك سأضرب مثلاً: لو قال أبٌ لابنه: ما سجلتك في المدرسة إلا لتدرس، فهل مقصد الأب من تسجيل ابنه في المدرسة أن يدرس؟ الجواب بالتأكيد: لا، بل مقصد الأب من تسجيل ابنه في المدرسة أن يكون لابنه مستقبل مشرق وأن يكون ذا شأن في المجتمع، وأن يكون له عمل يدر عليه دخلاً وفيراً، ولكن لما كان طريق ذلك واحداً لا ثاني له وهو الدراسة، فقد عبر عن المقصد بالوسيلة التي توصل إليه.
إذاً : العبادة ليست مقصداً لخلق الثقلين، ولو قلنا بأنها مقصد لبرزت إلينا أسئلة لا جواب مقنعاً لها، العبادة وسيلة لتحقيق مقصد الخلق وسياق الآيات يدل على ذلك( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ) وكأن الله تعالى يقول: أيها الإنسان أنا غني عنك لا أريد منك رزقاً ولا طعاماً لكنني أريد منك شيئاً واحداً وهو تحقيق العبودية لي ، تلك العبودية التي تحقق المقصد من خلقك.
والعبادة التي هي الوسيلة لتحقيق المقصد ليس معناها ذلك الذي يتبادر إلى الذهن فوراً وهو الصلاة والصيام والحج والزكاة فقط، وإنما هي العبودية الحقيقية والتي تشمل كل عمل نافع مفيد يبتغي به فاعله وجه الله تعالى.
والآن نعود إلى سؤالنا الأول: ما المقصد من خلق الإنسان؟
والجواب في قوله تعالى:( إني جاعل في الأرض خليفة ) ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) وتحقيق العبودية بمفهومها الواسع يحقق خلافة الإنسان في الأرض ويحقق إعمارها بالخير ويحقق الرحمة ( إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) ويحقق الحب وينشر العدل والحكم بالحق ، وهذه هي المقاصد العالية التي نص عليها علماء المقاصد قديماً وحديثاً.
لقد خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض يحكم فيها بالعدل، يقيم فيها شرع الله تعالى، يعمرها بالخير، ينشر فيها الحب، وهذا كله رحمة من الخالق بالمخلوق.
ويبقى هنا سؤال أخير: وهل تحقق هذا المقصد في كل عصر وفي كل مكان؟ الجواب: لا. ولكنه كثيراً ما تحقق في أمم وبلاد وجماعات ولم يتوقف ذلك حتى يومنا هذا، وذلك كاف.
فلو أنك أنشأت جامعة لتبني جيلاً ورسب بها كل عام نصف طلابها فهذا لا يعني أن تغلق الجامعة، فما دام المقصد متحققاً فالجامعة مفتوحة، ولا يضرها الشواذ ولو كثروا حيناً فمصيرهم إلى الزوال وتبقى الجامعة تحقق مقاصدها العالية. ] انتهى من مقالات د. بلال نور الدين.
ثم اعلم وفقني الله و إياك أن أعظم نعم الله على عبده ثلاث :
نعمة الإيجاد : بعد العدم.
ونعمة الإمداد : فكل ما ينعم به هو في الحقيقة إمداد من الله له بعدما أوجده ، فأعطاه الجسد بما فيه من إعجاز وأسكن فيه الروح وبث فيه الحياة و هيأ له كل مايحتاجه لاستمراره في هذه الحياة من ماء و هواء و نبات و حيوان وغير ذلك .
ونعمة البقاء : إذ فضّل الإنسان على بقية مخلوقاته فأعطاه نعمة الخلود بعد أن كان عدماً ، أما سواه من المخلوقات فمصيرها العدم .
فمن استشعر هذه النعم الثلاث شكر ربه ليُتم نعمته عليه بالخلود في الجنة دون النار، وذلك باتباع ما أرسله تعالى إليه من دليل إرشادي يتمثل بنصوص الوحي من كتاب وسنة.
والله من وراء القصد.