على أبواب الجامعات

د. بسام حمزاوي

قدم الطلبة اختبارات المرحلة الثانوية بفروعها المختلفة، وبدأت مرحلة الحيرة في اختيار الفرع الجامعي المناسب،
فوجدت من المفيد أن أقدم بعض النصائح :

أولاً. فكر جيداً :

قال تعالى: {ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [الحشر : 18]،

وأعظم غد هو يوم القيامة، ومن الغد مستقبلك الدراسي.


ثانياً. استشر من تثق بنصيحته :

رسولنا صلى الله تعالى عليه وسلم المعصوم قال له رب العالمين : {وشاورهم في الأمر} [آل عمران : 159]،

فمن باب أولى أن تستشير ، ومن شرط الاستشارة أن تستشير وتفكر بالمشورة لا أن تستشير وهناك فكرة مسبقة تسيطر عليك.


ثالثاً. اجعل مرجح الاختيار ميولك وهواياتك :
فقد صح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: { إن الله خلق كل صانع وصنعته }،

اجمع بين رغبتك ودراستك لتسعد.


رابعاً. كن صادقاً مع نفسك :

صفة الصدق من أعظم صفات الإنسان وفي الحديث الشريف:{ إنّ الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً }،
كن صادقاً مع نفسك، وازن بين قدراتك وطموحاتك.
خامساً. لا تستشرس لدخول فرع :

فتدخل الجامعات الخاصة المكلفة ثم لا تحقق فلاحاً.


سادساً. لا تجعل اختيار الناس بوصلة لتوجهاتك الجامعية :

نهانا شرعنا أن نكون إمّعة : إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن: إن أحسن الناس أن نحسن وإن أساؤوا أن نحسن.
لا مانع أن تطلع على ما اختاره أصحابك، أو أن تسمع ما يفضله جماعات من مجتمعك لكن المرجع الأساس ماذا تريد أنت ؟ وبأي شيء تنسجم.

سابعاً. احرص على دينك:

يظهر هذا في عدة نواحٍ منها:
أ. يرغب البعض أن يدرس في جامعات في بلاد الغرب، وهذا أمر لا بأس به إذا كان مسبوقاً بدراسة متأنية، وقرار واقعي، لكن هذا يتعلق بالجانب الدنيوي للدراسة، والعاقل يضبط دنياه على ضوابط الشرع الحنيف، فربما من كان في بلاده ومع إخوانه يقصر في أداء الصلاة فكيف إذا صار في مكان لا يسمع فيه أذاناً ولا يرى مصلياً ؟! لا شكّ أنّ في شبابنا الملتزم من درس في كبرى الجامعات الغربية وتخصص بأدقِّ التخصصات العلمية، ثم رجع إلى بلاده محافظاً على دينه يخدم الأمة بالعلم والمعرفة، ولا شكّ أيضاً أنّ هناك من سافر إلى بلاد الغرب فرجع بعلم من غير دين، وهناك من ذهب ورجع بلا دين وبلا علم، وهناك من ذهب ولم يرجع.
القرار صعب، ويحتاج إلى دراسة من الطالب ومن أهله.ب. اختر اختصاصاً نافعاً لا يتعارض مع أحكام الشريعة المطهرة، وتذكر أن الشريعة الغراء لا تمنع إلا ما يجب منعه.


ثامناً. استحضر نيّتك، وإخلاصك:

اتّفقت أصول كتب الحديث الشريف على تخريج قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:{ إنما الأعمال بالنيات } حرر نيتك .
قد يدرس طالبان نفس التخصص أحدهما يُؤجر والآخر لا شيء له، وأضرب مثالاً :
لو سألنا شخصاً:

لماذا تريد أن تدرس في الجامعة ؟ فأجاب: لأن ديننا دين العلم والمعرفة، وأول ما نزل من القرآن { اقرأ } ، فأنا أدرس لأصلَ لأعلى الرتب، فهذا له أجر.
ولو سألنا آخر نفس السؤال، فقال :
أدرس لأن ديننا دين العلم، ولأدخل السرور على قلب والديّ عندما أتخرج فيفخرا بي، فهذا له أجران.
ولو سألنا ثالثاً فقال:

أدرس لأن ديننا دين العلم، ولأدخل السرور على قلب الوالدين، ولأنفع وطني وأمتي، فهذا يُؤجر ثلاثاً.
ولو سألنا رابعاً، فقال:

أدرس في الجامعة لأنه من الضروري لأمثالي أن ندرس في الجامعة، فهذا لا أجر له.

تاسعاً. اختر تخصصاً نافعاً، موافقاً لرغبتك، ضمن قدراتك المادية والمعنوية :


صحّ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: { احرص على ما ينفعك }، وفي الحديث الشريف:

{ أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس }، اختر تخصصاً تحبه و تنتفع منه، وهو كذلك نافع للناس، وتذكر أن العلوم في ديننا

على ثلاثة أنواع :
أولها. علم رافع :

وهو علوم الشريعة الغراء ترفع قدر أصحابها عند الله تعالى وعند العباد.
ثانيها. علم نافع :

وهو كل علم ينفع الناس، كالطب والهندسة والحقوق وغيرها ، وإن نوى صاحبه به وجه الله تعالى أُجر ونال الثواب من الله تعالى.
وثالثها. علم واضع :

وهو ما منع الشرع منه لضرره أو دجله، أو لأنه سبب لنشر الفحش، ويحرم تعاطيه وتعلمه.


عاشراً : لا تعش وهماً ، أضرب مثالين للتوضيح :
أ. بعض الشباب لهم ميول لعلوم التربية أو الإدارة أو الاقتصاد، وهم من الشباب المتديّن، فيتوهم أحدهم أن الصواب بالنسبة إليه أن يدرس الشريعة مع أن ذهنيته ذهنية اقتصادية مثلاً ، وربما حاجتنا إليه كاقتصادي متدين أكثر من أن نحتاجه عالماً بالشريعة، ولا سيّما أن رغبته في الاقتصاد.


ب. بعض الشباب لهم ميول متعلقة بعلم التاريخ أو علم النفس، وربما في بعض البلاد يُشاع أن بعض التخصصات هي فروع الكسالى كالتاريخ مثلاً { مع عظيم أهميته } فيحجم عن الدخول في هذا التخصص مع أن موهبته في التاريخ، وهذا خطأ، ادخل فرعاً أنت مقتنع به ، واترك كلام الناس، وهنا أنبه أن أكثر الناس في مجتمعاتنا يفقدون الحس بالعلوم المهمة النافعة أحياناً ، وخيرٌ لهؤلاء أن يصمتوا، ففي الحديث الشريف:{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت } إذا كنت لا تعرف أبعاد العلوم وأهميتها فاصمت، ولا تشوش أذهان شبابنا.
تنبيه:
بمناسبة دراسة الشريعة التي سبق ذكرها أقول :
كل مسلم مطلوب منه الحد الأدنى من التعلم الشرعي ولا يشترط أن يكون ذلك في جامعات، وكثيراً من العلوم نستطيع أن نربطها بعلوم الشريعة الإسلامية، فالاقتصاد مرتبط بحركة المال في الإسلام من فقه معاملات مالية وإرث وزكاة وغيرها، والتربية يتعلق بها الكثير من النصوص التربوية، ...إلخ .
اخدم دينك من التخصص الذي تحب.
نسأل الله لطلابنا التوفيق و السداد.
والله تعالى أعلم.