صادر عن الموقع
في عصرنا الحالي ، عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتي بدورها مُتاحة مُيسّرة للجميع ، الكبير و الصغير ، العالِم و الجاهل ، الفقير و الغني ، إذ ظهرت شخصيات جديدة على الوسط الإعلامي لم تكن معروفة من قبل ، سواء كانت كوميدية أو دينية أو فنّية الخ ، و زاد الأمر تعقيداً في إمكانية التفريقُ بين الحق و الباطل ، بين العالم و المُتعالم ، بين المُتخصص و المُتطفل ، لذلك كثُرت الألقاب و المُتابعون لمن لايستحق ، وليست العبرة في ذات عدد المُتابعين ، إنما في تأثير هذه الشخصيات على مُتابعيهم بالباطل وبدون علم بلا أدنى شك .
و خاصة العلوم الشرعية فقد كانت مُستهدفة بشكل مُركّز من قبل أعداء الأمة ، و اتخذوا كل ما أُتيح لهم من وسائل للتشويش على المسلمين ، و العبث بعقيدتهم و هدم مسلّماتهم .
لذلك كان لابد من تحرير مصطلح العالِم ، و الحقيقة أن مصدر نيل العلوم الشرعية مرجعه لمكانين اثنين : المساجد و الجامعات .
و طالبو هذه العلوم على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : من اقتصر على التعليم الجامعي ، ونال ما أتاحت له الجامعات من الدرجات العلمية .
[ و الشهادة العلمية أيّاً كانت ، تدل على أن صاحبها قد اجتاز اختبارات معينة بمواد معينة ، و قيمتها تختلف باختلاف الجامعة .
لكن في العلوم الشرعية خصوصاً ليست دليلاً كافياً على سعة علمه وتمكّنه من اختصاصه ، ولكل منها دلالة معينة
- البكالوريوس مثلاً تدل على أن حاملها أكاديمي المنهج ، و أنه درس الحد الأدنى من كل علم من العلوم الشرعية ( تقريباً ) .
- و الدكتوراه تدل عل أن صاحبها أكاديمي بامتياز ، و أنه شرع في تخصص ما ، و لا تدل أبداً على تخصصه ، و هو واقع مُشاهد بين الكثير من حملتها { و قد كانت قبل بضع عقود من الزمن تدل على تخصصه قطعاً } ].
القسم الثاني : من اقتصر على الطريقة التقليدية في أخذ العلم عن الرجال .
[ إذ في المساجد تُصنّع العلماء ، وقد خرّج لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجده كبار العلماء و الفقهاء من الصحابة رضوان الله عليهم ، و أُخذ عنهم العلم إلى من بعدهم من التابعين ، إلى يومنا هذا ، إلى يوم القيامة .
وتُقام هذه المجالس في العادة في المساجد و يتناول العالِم كتاباً بعد كتاب شرحاً و تفصيلاً لطلبته كما أخذ العلم هو عن شيوخه ، و هذه الطريقة تمنح الطالب تمكّناً عالياً من الكتاب ، ثم راح بعض طلبة العلم يُعلّمون العلم قبل الأوان فذهبت هيبة العلم و ثمرته ، فأصبحوا يعطون طلبتهم إجازات ورقية أو شفهية أنهم سمعوا منهم كتاباً ما ، فصار هَم بعض الطلبة الإجازة لا العلم ، ثم تساهل البعض أكثر فصاروا يُعطون إجازة في سماع كتاب مُعين ، أي شهادة حضور بالمصطلح العصري ، فيُظن أن حامل هذه الإجازة مُتقن لما سمعه ، و ليس هو كذلك ].
القسم الثالث و الأخير : من جمع بين علم المساجد و علم الجامعات .
وهم الأكمل ، إذ لابد من ذلك في عصرنا الحالي ، وبالجمع بين العلمين يخرج لنا عالمٌ مُتقنٌ متخصصٌ مُتكاملٌ .
بالمحصلة صار هم الكثير الشهادة و المسمى العلمي أكثر من التحصيل العلمي ، لذلك يلجأ البعض لجامعات غير معترف بها أصلاً ، لنيل الدكتوراه و يظن أنه بها تربع على عرش العلم ، و إن بعض الظن إثم ، ولاشك أن الشهادة قرينة تدل على العلم ، و لكنها ليست دليلاً قاطعاً ، بل الأصل أنه غير متخصص حتى يثبت العكس ، وخاصة أن الكثير من الجامعات الحالية تحولّت لجامعات تجارية ، هدفها ربحي محض ، لذلك بيعت الكثير من الشهادات العُليا دون أدنى ضمير لا من البائع و لا من المشتري .
لأجل ذلك أصبحنا نرى الكثير من حملة الماجستير أرسخ علماً و أفقه من حملة الدكتوراه ، و ذلك لضمهم علم المسجد لشهادتهم .
وقد نقل بعض العلماء عن شيوخهم عبارة قاسية ، أن [ هذه الشهادات شهادات زور ]،ولا يصح قولهم بإطلاق ، بل تدل على واقع البعض دون الكل ، إذ لايصح التعميم بحال ، و يقصدون بذلك أنه لايُقيّم عِلم المرء من شهادته ، و إنما بعلمه ، و الذي حملهم على هذا القول أن البعض شرعنوا لأنفسهم العبث بالدين و ثوابته ، مرتكزين أمام مُتابعيهم على شهاداتهم العلمية ، إذ كل ما يحتاجه الواحد منهم شهادة دكتوراه من أي جامعة و إن تدنى مستواها ، ثم مخالفة ما اتفقت عليهم الأمة ، على مبدأ خالف تُعرف ، يُنادون بمسميات عدة ، كالتجديد و إعادة فهم النص ، و فهم مقاصد الشريعة ، الخ ، وهي مسميات حق أريد بها باطل .
وهو ما نتج عنه أننا نرى أن الكثير من العوام بحالة انبهار بشخصية ما تدّعي العِلم ، وهو في الحقيقة عالِم سوء ، ولكن غرّتهم الألقاب .
وليست الغاية مما سبق هدم الشخصيات الدينية ، إنما إعطاء كل ذي حق حقه .
والعلماء العالمون العاملون معلمو الناس الخير كُثر و الحمدلله ، و نسأل الله أن يرزقنا عِلمهم و مُتابعتهم ، اقتفاء أثرهم و الدفاع عنهم ، حُبّهم و اجلالهم ، تكريمهم و خدمتهم ، إذ هم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، و أن يجعلنا منهم و يلحقنا بهم ، اللهم آمين .
والحمدلله رب العالمين .
والله أعلم .