متى يكون حافظ القرآن من أهل الله و خاصته ؟

قال صلّى الله عليه وسلّم :{ إن لله أهلين من الناس ". قالوا : يا رسول الله، من هم ؟ قال : " هم أهل القرآن : أهل الله وخاصته } رواه ابن ماجه .

وقال السّندي في شرحه : { هم أهل القرآن } أي حفظة القرآن يقرؤونه أناء اللّيل وأطراف النّهار العاملون به.

فمن عظيم كرم الله تعالى أن يرزق عبده حفظ كتابه الكريم، فمن حفظه فقد خطا أوّل خطوة في سيره ليكون من أهل الله و خاصّته.

ثمَّ ينتقل للعلم به، إذ لايصحُّ العمل دون علم.

والعلم به بمعناه الضّيِّق :

- قراءة تفسيره، ولو أراد قراءة كلِّ ما كُتب في التفسير قديماً و حديثاً لاستهلك ماتبقى من عمره ولم ينتهِ، وهذا يعلمه كلُّ مطَّلعٍ على المكتبة الإسلاميّة، على سبيل المثال تفسير الطّبري وحدَه في أربعٍ و عشرين مجلّداً.

ويمكن تحصيل الحدِّ الأدنى بقراءة كتاب تفسير مفردات القرآن، ثمَّ كتاب تفسيرٍ مختصرٍ ، ثمَّ كتاب تفسيرٍ متوسِّط الطّول، ثمَّ إن أراد التّوسع قرأ في المطوّلات.

ثمَّ ينتقل للكتب الّتي عُنيت بأحكام القرآن، فيقرأ كتاباً مختصراً. ثمَّ إن أراد الزّيادة قرأ في المطوّلات.

ثمَّ ينتقل للعمل به { وأقتصر على بعض الأمثلة } :

فيقرأ قوله تعالى :
{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 89]

فيعمل على إصلاح قلبه و تنقيته من الأمراض و الآثام.

ثمَّ يعود ليقرأ :

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ} [النساء : 82]

فيعلم أنّه لاسبيل للتّدبُّر إلّا بتعلُّم اللّغة العربيّة، فيذهب فيُتقن العربيّة ثمَّ يعود ليتدبّر، أو يقرأ ماتيسّرله من الكتب الكثيرة جداً الّتي عُنيت بالتّدبُّر.

ثم يقرأ :
{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59]

فيعلم أنه لابد - عند الخلاف مع الزوج أو صاحب العمل أو الوالد و غيرهم - من الخروج من هوى النفس إلى أمر الله تعالى.

فإذا قرأ آيات العلم تيقّن أنّه لامناص من التعلُّم :
إذ يقرأ أمر الله تعالى :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ } [محمد :19]
فيبحث في علم التّوحيد، فيغوص في إنكار المذهب الإلحادي ثمَّ يلتحق بركب باحثي مقارنة الأديان. 
و يقرأ {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ} [البقرة : 110]

فيعلم أنَّه لابدَّ من معرفة أحكام العبادات لتصحَّ منه،

وفي الفقه يقرأ :

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } [آل عمران : 110]
فيعلم أنّه لاخير فيمن لم يأمر و ينهى، وأنّه لابدَّ من التوسع في الفقه إذ من شروط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر العلم بأنّه معروفٌ أو منكر.
ويقرأ أمر الله تعالى :
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } [آل عمران : 104]

فيعلم أنَّه لابدَّ له من الدّعوة إلى الله، إذ أهل القرآن هم أولى من يعمل بما أمر الله به بعض الأمّة، لِما خصّهم الله به من عظيم الرّفعة، فيكون من الّذين قيل فيهم :

{أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون : 61]

و لاسبيل للدّعوة إلّا بالعلم، قال تعالى :

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ } إلى أن قال { وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف : 33]
فيذهب مستعيناً بالله تعالى سالكاً درب طلب العلم أبداً ما حيي، فالعمر ينفد والعلوم الشّرعيّة لاتنفد.
ثمَّ يقرأ :
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [النمل : 73]

فيخشى أن يكون ممّن ذمّهم الله بأنّهم لايشكرون، فينتقل لشكر ما تفضّل الله تعالى به عليه، فيُعلِّم القرآن كما عُلّمه، ويُنفق العلم الّذي يجمعه.

ثمَّ بعد كلِّ ذلك هو ممّن قال تعالى فيهم :

{ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [المؤمنون : 60]

ولايُقصد بالآية التّواضع، فهذا مطلوبٌ في كلِّ حينٍ ومن كلِّ مسلمٍ، إنّما هم حقيقةً يخافون ألّا يقبل الله تعالى عملهم أوربّما اقترفوا عملاً أحبط أعمالهم، نسأل الله السّلامة.

فإن وجد قلبه مطمئناً بأنّه من أهل الله وخاصّته فلْيراجع قلبه.

خلاصة القول :

{ أهل الله وخاصّته } منزلةٌ عظيمةٌ لاتُنال باليسير من العمل.

قال صلّى الله عليه وسلّم : { احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز } رواه مسلم.

ومن مات وهو يسعى في طلب العلم فعسى الله أن يمنَّ عليه و يُبلِّغه إيّاها بكرمه وفضله، وهو القادر على ذلك {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف : 92]

والله تعالى أعلم.