الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - ما يلحق بالعبادات - اللباس والزينة
رقم الفتوى 10099
نص السؤال مختصر

حكم وصل الشعر بالشعر أو غيره ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله ، االحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله  ، وبعد : 

فإن جواب السؤال يتوقف أولاً على بيان حكم وصل الشعر بالشعر ، وهذا حرام باتفاق الفقهاء للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك ، فقد ثبت حديث : " لعن الله الواصلة والمستوصلة " رواه البخاري ومسلم في عدة روايات ، وروى البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه " أنه أخرج كبةً من شعر ، قال : ماكنت أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود ، إن النبي صلى الله عليه وسلم سماهُ الزور ، يعني الواصلة في الشعر " وفيه عدة روايات ، وروى مسلم عن جابر بن عبد الله  رضي الله عنه قال : " زَجَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئاً " رقم 2126 ، وروى أصحاب السنن مثل ذلك ، وفي رواية للبخاري : " فسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة " .

والواصلة : هي التي تصل الشعرَ بغيره ، والمستوصلة هي التي تطلب فعل ذلك ، أو يفعل لها ذلك ، واتفق العلماء على تحريم وصل الشعر بشعرٍ آخر ، وهو من كبائر الذنوب ، لورود اللعن والسب فيه ، والنهي عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الفاعل ، ولا يجوز لعن فاعل المباح .

أما وصل الشّعرِ بغير الشعر ، مثل خيوط الحرير أو الصوف ، ونحو ذلك مما ليس بشعر فاختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال : 

القول الأول : إنه حرام ، لحديث " لا تصل المرأة برأسها الشعر ، ولا القرامِلَ ، ولا الصوف " والقرمل : جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء ، نبات طويل الفروع لين ، وجاء في المعجم الوسيط :ضفائر من شعر أو غيره تصل بها المرأة شعرها ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، فكلُ شيء يصل فهو وصال ، ولحديث جابر رضي الله عنه الصريح قال : " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئاً ، ونقل المروزي قال : جاءت امرأة من هؤلاء الذين يمشطونَ إلى أبي عبد الله  (الإمام أحمد ) فقالت : إني أصلُ رأس المرأة بقرامل ، وأمشطها ، فترى لي أن أحجّ مما أكتسبت ؟ قال : لا ، وكره كسبها ، وقال لها يكون من مالٍ أطيب من هذا " وهو قول الجمهور ، والأكثرين من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، وأنه ممنوع بكل شيء . 

القول الثاني : إنه مكروه ، وغير محرم، لحديث معاوية رضي الله عنه في تخصيص الوصل بالشعر فقط ، فيمكن جعل ذلك تفسيراً للفظ العام ، وبقيت الكراهة لعموم اللفظ في سائر الأحاديث ، وهذا رواية عن أحمد رحمه الله تعالى ، ورجحها ابن قدامه ، فقال : " والظاهر أن المحرّم إنما هو وصل الشعر بالشعر ، لما فيه من التدليس ، واستعمال الشعر المختلف في نجاسته ، وغير ذلك لا يحرم لعدم هذه المعاني فيها ، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة ، والله أعلم " .

القول الثالث : إنه مباح ، وهو قول بعض أهل العلم كالليث ، وبعض المالكية ، وخصّوا الحرام بالوصل بالشعر ، ولا بأس بوصله بصوفٍ ونحوه ، وقال ابن ناجي من فقهاء المالكية : " فإذا كان الوصل بخيوط الحرير الملونة التي لا تشبه الشعر ، فغير منهي عنه ، لأن المقصود فيها التجمل والتحسين ، كما أن بعض أهل العلم قصر النهي عن وصل الشعر على عدم علم الزوج به ، لما فيه من الغش ، وأما إن علم الزوج فلا بأس مالم يكن بشعر آدمي ، لأنه من باب التجميل والتحسين للزوج ، فلا يمنع إلا وصل الشعر بالشعر .

والذي نرجحه ونفتي به : هو القول الأول بتحريم وصل الشعر بالشعر ، وبخيوط الحرير ، أو الصوف أو نحو ذلك مما ليس بشعر ، لأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقة ، في تحريم الوصل ، سواء كان ذلك بشعر أو بغيره ، والمطلق يبقى على إطلاقِهِ ، وقصة معاوية رضي الله عنه لا تقيد الأحاديث الكثيرة في لعن الواصلة والمستوصلة ، وسبّها ، وأن ذلك زور ، بل قوله هو مجرد نموذج لما رأى في زمَنِهِ ، وأن حديث مسلم صريح " أن تصل المرأة برأسها شيئاً " ، والشيء : لفظ عام ، ويبقى على عمومِهِ ، وأن تخصيص ابن قدامه رحمه الله تعالى الأحاديث بوصل الشعر بالشعر لما فيه من تدليس ، فالجواب أن الحرير والصوف فيه تدليس كذلك .

وأن قول ابن ناجي بإباحة الوصل بغير الشعر ، لأن المقصود فيه التجمل والتحسين ، فهذا التعليل يشمل الشعر وغيره ، وخاصة في عصرنا الحاضر في صناعة الحرير ، والصوف بما يشبه الشعر ، ويحقق الفتنة كالشعر وزيادة ، قال النووي رحمه الله تعالى : " وهذه الأحاديث صريحة في تحريم الوصل مطلقاً " وهذا هو الظاهر المختار .

ويستثنى من ذلك وصل المرأة بشعرها شيئاً ( غير الشعر ) لزوجها بإذنه للتجمل والتحسين ، ولأخذ الزينة له ، فلا مانع منه ، لما ثبت من ترغيب الزوجة بالتزين لزوجها حصراً وداخل البيت فقط ،  وكذلك فإن ربط الشعر بخيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه ، لأنه ليس بوصل ، ولا هو في معناه ، وإنما هو للتجمل والتحسين ، وهو ماصرح به القاضي عياض رحمه الله تعالى ، ونقله عنه النووي رحمه الله تعالى ، والله تعالى أعلم . 

تاريخ النشر بالميلادي 2018/11/11

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به