الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - ما يلحق بالعبادات - اللباس والزينة
رقم الفتوى 10094
نص السؤال مختصر

حكم خروج المرأة متعطرة ؟

نص السؤال الكامل

ماحكم خروج المرأة متعطرة بدعوى أنها لن تمر على الرجال ؟ 

الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله ، والحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

إن استعمال الطيب أو العطر للنساء جائز باتفاق الفقهاء في بيتها ، ولزوجها ، وعند اجتماعها بالنساء حصراً .

أما استعمال المرأة للطيب أو العطر خارج البيت فهو حرام ، وقال بعض المحدثين : إنه مكروه ، وهو ماعنون به الترمذي ، فقال : " باب ماجاء في كراهية خروج المرأة متعطرة " ( ص 448 ) وكذلك قال النسائي :" مايكره للنساء من الطيب " ( 8 / 132

واستدل العلماء على التحريم أو الكراهة عند الخروج مطلقاً بعدة أحاديث ، منها مارواه أبو هريرة رضي الله عنه أن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقبل صلاة امرأة تطيّبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها للجنابة " ( رواه أبو داود 2 / 397 والنسائي 8 / 133 ) وهذا يدل على التحريم مع أن الخروج للمسجد ، فغيره أولى ، وفي حديث آخر له " أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " ( رواه أبو داود 2 / 397 ، والنسائي 8 / 133 ) ، وفي حديث ثالث : " إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء فلا تمس طيباً " ( رواه النسائي بعدة روايات 8 / 133 – 134 ) ، وفي حديث رابع : " أيتكن خرجت إلى المسجد فلا تقربن طيباً " ( رواه النسائي 8 / 134 ) ، وهذه الأحاديث تدل على تحريم الطيب والعطر إذا خرجت من بيتها إلى المسجد أو إلى غيره.

والحكمة من ذلك منع تبرج النساء ، والتشبه بالكافرات، لقوله تعالى " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " الأحزاب / 33 ، ومدح الله النساء لترك التبرج ، فقال تعالى : " غير متبرجات بزينة " النور / 60 ، يعني لا يتكسرن في مشيتهن ولا يتبخترن ، والعطر أو الطيب أعلى درجات التبرج وهو أن تبدي المرأة محاسنها ، وهذا يؤدي إلى الإثارة الجنسية عند الرجال ، وخاصة الشباب ، ويكون وسيلة إلى المحرمات ، وقد أثبت العلم أن الرجل أكثر تأثيراً وحساسية من المرأة في شم الروائح وسماع الأصوات حتى منع القرآن الكريم النساء من صوت الخلخال ، فقال تعالى : " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن " النور / 31 ، وكل ذلك مشاهد وملموس في الحياة ، وجاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " طيب الرجال ماظهر ريحه ، وخفي لونه ، وطيب النساء ماظهر لونه وخفي ريحه " ( رواه الترمذي ص 448 رقم 2787 ) . 

وأما الإشكال الوارد بدعوى أن المرأة المتعطرة لن تمر على الرجال ، فسببه ماجاء في حديث خامس عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ( الرجال ) ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا " قال قولاً شديداً " رواه أبو داود 2 / 397 ، ورواه الترمذي بنص آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية " قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ورواه النسائي 8 / 132 ، وأحمد 4 / 400 ، 414 ، 418 ، والدارمي في كتاب الاستئذان / 18 .

ولعل السائل أو السائلة أو القارىء للحديث فهم أن منع المرأة من التعطير مقيد إذا مرت على الرجال ليجدوا ريحها ، فإن لم تمر عليهم فلا حرمة .

وهذا فهم ظاهري ، ويجب فهم الحديث على ضوء الأحاديث الأربعة السابقة للجمع بينها ، وعدم الاقتصار على رواية واحدة ، وإهمال الباقي، وهو مايتفق مع تفسير الآيات الكريمة في منع التبرج أو إظهار الزينة ، ولأن الفهم الظاهري شبه خيالي ، فكيف تضمن المرأة عدم وجود الرجال في الطرقات ؟ وهل تستطع منع التجول لتمر في طريقها ؟ مع أن الغالب والشائع وجود الرجال في الطرقات ، وبالتالي وقع المحذور ، ولذلك نرجح تحريم خروج المرأة متعطرة إلى الطرقات ، منعاً للفساد ، وسداً للذرائع ، والتزاماً بالآداب الشرعية ، والأخلاق الإسلامية  ، والله تعالى أعلم .  

تاريخ النشر بالميلادي 2018/11/11

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به