الفقه الإسلامي - قضايا فقهية معاصرة - مستجدات العصر - اجتماعية
رقم الفتوى 10812
نص السؤال مختصر

والدي رفض تزويجي من شاب تعلقت به، ما العمل ؟

نص السؤال الكامل

أنا فتاة ملتزمة والحمد لله أبلغ من العمر 23 عاما قبل فترة تقدم لخطبتي شاب صالح ومناسب لي الا أن ابي لم ياخذ براي ورده قائلا: البنت تدرس ولكني عندما علمت بذلك حزنت كثيرا لانه الافضل ممن تقدم لي، والحقيقة اني وقعت في حبه وتعلقت به كثيرا وهو لا يعلم انني موافقة علما اني والله لم اره ولم اتكلم نعه البتة لكن وقوفه بجانبنا دوما جعله يكبر في عيني كثيرا والان بعد تخرجي من الجامعة صارحت امي انني موافقة عليه وهي بدورها طلبت من ابي التحدث معه لكنه رفض معتبرا ان هذا الامر اهانة له، لا ادري ماذا افعل وقد تقدم لخطبتي بعده عدة شباب ولكني ارفض لاني لا اريد ان ابني حياة زوجية مع شخص وقلبي متعلق بغيره، لا اعلم ان كان هذا الشخص مازال يريدني كما اريده وهذا الأمر يقلقني ويقض مضطجعي لاني اشعر انني اقوم بعمل يغضب الله عزوجل لذلك لم اجرؤ على التحدث معه الى الان وفي نفس الوقت اتالم كثيرا وابكي كثيرا ولا احد يشعر بي لقد صبرت حتى نفد صبري ولكن ما باليد حيلة ارجوكم ساعدوني فلولا علمي انكم اناس موثوقين لما بحت بسري ارجوكم لا تخيبوا ظني وجزاكم الله عنا كل خير.

الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله و الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد :

فإنّ الزّواج هو أخطر قرارٍ ممكن أن يتّخذه الإنسان طيلةَ حياته ، لتأثيره البالغ على حاضره و مستقبله ، بل وللأثر الّذي يتركه المرء بعد موته.

لذلك كان الزّواج النّاجح مبناه المحاكمات العقليّة لا العاطفيّة ، لأنَّ العواطف سرعان ما تتبدّل بتبدّل المواقف و الأيّام و الأحوال، ولذلك كان الفشل المصيرَ المحتَّم لزواج الحبِّ ، لأنّه احتكم للعاطفة و أهمل العقل، فبعد مرور فترةٍ من الزّمن سرعان ما تتبدّل المشاعر، وهذه طبيعة النّفس تتطلّع لشيءٍ، وما إن بلغته إلّا وتفقّد في زمنٍ يسيرٍ اللّذة الّتي طمعت بدوامها، وصارت تحلم بشيءٍ آخرَ لاتملكه، و هكذا هي في دائرة مغلقة تدور، أشعر ولا أملك ثمّ الملك سلب منّي الشّعور ، وهو فتور لابدَّ منه ، ولايُنكره إلّا المكابر و لا يروّج له إلّا أصحاب الدّراما.

أمّا نظرة المسلم الفطن للزّواج ، فهي أنَّه وسيلة لا غاية، وسيلة لتحقيق غاياتٍ نبيلة، لا تتمُّ إلّا به، كالغاية الدّينيّة، و الاجتماعيّة، وإشباع غريزة العاطفة، و تلبية رغبات الجسد وغير ذلك، وهذا كلُّه مبنيٌّ على نظرة المسلم للحياة، فهو يعلم يقيناً أنّها دار عملٍ للآخرة.

فغايته الإسهام في إصلاح المجتمع، و أن يترك من بعده أثراً يمتدُّ إلى قيام السّاعة، وهو ما يسمّى امتداد المرء، بمسمّىً آخر الصّدقة الجارية ، ولكن بمفهومها العميق جداً، وأن يسعى للعمل على دخول أعالي الجنّة هو و من حوله، و كلُّ ذلك قد يحتاج أربعين أو خمسين عاماً من العمل المتواصل.

وهذا لايتأتّى حصوله بجهودٍ فردية، فالأسرة هي مرتكزٌ في هذا العمل، لذلك كان قرار تكوين الأسرة من أخطر القرارات الّتي لامكان للعاطفة فيها، فعلى الفتاة أوّلاً العمل على تهيئة نفسها بالعلم و العمل بما علمت، و البحث عمّن يوافقها الغاية، فالزّواج ثمَّ ينتقل العمل على تنشئة الأبناء على هذا الخير، ثمَّ يمتدُّ لمن حولهم و إلى ذرّيتهم، فتكون الأسرةُ الواحدةُ أمّةً بأسرها ، وهذا الكلام مشاهد وملموسٌ وليس نظريّاً أبداً.

فما ينبغي عليك فعله تهيئة نفسك أوّلاً بالالتزام بشرع الله تعالى، ثمّ طلب العلم و العمل بما علمت، ثمّ أن تجعلي لك سريرة بينك و بين الله تعالى على هذه النّيّة { عمل صالح كقضاء حاجات النّاس و الدّعوة لله، الخ }، و أن تُكثري الدّعاء أن يرزقك زوجاً صالحاً جميلاً موافقاً { أي موافق لك بالطّبع و الغاية } ملتمسةً مواطن الإجابة.

ولاشكَّ أنَّ ماذكرتِه من تعلّقك بهذا الشّاب - لما صدر منه - مبناه العاطفة، والصّفة الّتي امتاز بها غير كافية إطلاقاً بأن تصل بك إلى ما سبق الكلام عنه أعلاه.

فعليكِ بدراسة وضعه من جديدٍ بناءً على الغايات الّتي تبتغي الوصول إليها، ثمّ إن كان مناسباً فاطلبي ممّن له قدرة على إقناع والدك أن يتكلّم معه، بأنَّ الأمر ليس معيباً و إلّا لما فعله سيّدنا عمر رضي الله عنه  ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وقد ذكر لنا تعالى في القرآن الكريم فيما جرى لسيّدنا موسى، إذ قيل له : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } [القصص:٢٧] وكما خطبت السيّدة خديجة - رضي الله عنها - رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، و أن يُذكر له ما يتميّز به الشّاب، وهذا يحتاج لحكمةٍ في التّواصل مع الأب و وعي كبير.

فإن لم يتقبّل الأبُ أن يخطب لك، فلْيخبر الشّاب بطريقةٍ ما أن يتقدَّم من جديدٍ بالطّلب ، وتُحَلّ بذلك مشكلة الأب، فإن تعذّر ممكن أن يدخل أحدهم وسيطاً، ويذكرك عند شابٍ صالحٍ، ولايشترط أن يتكلّم بلسانك، فإن تعذرّ كلُّ ماسبق فيستمرُّ الحال على ماهو عليه ، فماقدّره الله لك سيأتيك أيّاً  كانت الظّروف و الأحوال.

أمّا عن رفض كلِّ من طرق بيتكم خاطباً فهو عين الخطأ، والصّواب أن نحتكم للعقل كما اتّفقنا، فندرس حال الشّاب وفق غايتنا ثمّ نقرّر، و لايشترط أن يكون حاله ممّن سار في درب العلم و العمل و الإصلاح، بل يكفي أن تكون عنده قابليّة لذلك، ويمكن معرفة هذا الأمر بالحوار معه أثناء زيارته لكم، أمّا الشّرط الّذي لايمكن التّخلّي عنه فهو الصّلاح، فالصّالح هو من إن لم يأخذ بيدك نحو غايتك لم يضرَّك.

و كثرة الخاطبين رزقٌ ساقه الله لك ، فلا تقابلي النّعمة بالإساءة و إلّا عُوقبتِ بالحرمان لاقدّر الله.

ومن صور الإساءة  أثناء دراسة حال أيِّ خاطب اعتماد قاعدة { غداً يأتي خيرٌ منه }.

نسأل الله لك الزّوج الصّالح الجميل الموافق، و أن يوفّقك لما يحبّه و يرضاه.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/03/16

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به