الفقه الإسلامي - قضايا فقهية معاصرة - مستجدات العصر - مالية
رقم الفتوى 10648
نص السؤال مختصر

حكم العمل بالأسود في دول الغرب للحاجة ؟

نص السؤال الكامل

أنا صيدليّ في بريطانيا حالياً و فرصة العمل كصيدليّ تحتاج الى سنوات من الدّراسة للتّعديل ، أو يجب أن أعمل في أي مجال آخر والفرص ليست متوفِّرة إلّا كعاملٍ في مطعمٍ أو ما شابه. و في حال العمل في الأبيض فإنَّ الدّخل يكون قليلاً جداً لأنَّ العمل سيكون بالحدِّ الأدنى من الأجور و سيكون التّوفير في هذه الحالة صعباً جداً بحيث سيكون حوالي 300£ شهريّاً .و هو مبلغ زهيدٌ أي كأنّني أحصل على المساعدات. المشكلة أنَّ عليَّ دينٌ وأحبُّ السّداد و مقداره ما يقارب ال12000£، و في حال العمل على هذا الحدّ من الأجور سيحتاج السّداد إلى وقتٍ طويلٍ و لن يكون بمقدوري الدّراسة من أجل التّعديل. أضف إلى ذلك ما عندي من التزامات شهريّة أرسلها لوالدي وإخوتي الّذين هم في حاجة. فهل يجوز لي العمل في الأسود لسداد الدّين؟

الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله ، والحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :

الحمد لله الّذي وفقّك للسّؤال قبل الشّروع بالعمل، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فيدلُّ على أنَّ الله يريد بك خيراً بإذنه تعالى.

وللإجابة فلابدَّ أن نعلم أنَّ المعاملاتِ قسمان : الأوّل ما كان بحقِّ الله تعالى، وهذا يُباح للضّرورة، كمن شارف على الموت عطشاً ولايجد إلا خمراً، فيباح له الشّرب منها قدراً يُبقيه على قيد الحياة.

والثّاني ماكان في حقِّ النّاس، وهذه مصونةٌ قطعاً إلّا بحالة الضّرورة، كمن كاد أن يهلك جوعاً ولايجد إلّا طعام رجلٍ غريبٍ، فيُباح له الأكل بقدر مايُبقيه حيّاً و يضمن للرّجل، أي يدفع له قيمة ما أكله أو يأتي له بمثيله.

وعليه فلايجوز العمل بالخفاء دون علم الدّولة.

ثمّ إنَّ الله تكفّل بإعانة المدين بوفاء دينه، كما قال صلّى الله عليه وسلّم : { ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف }. رواه التّرمذي.

و هذا مستفاضٌ بين النّاس كيف أنَّ الله تولّى قضاء ديونهم، بطرقٍ هم أنفسهم يعجبون منها، وهذا مقتصرٌ على من نوى الأداء.

ولاشكَّ أنَّ أخطر المال الحرام ماكان متعلّقاً بحقِّ العباد، و خاصّةً ما كان متعلقاً بالمال العام، لأنَّ سكان البلاد مجتمعين لهم حقٌّ في هذا المال، صَغُر أو كبر.

واعلم أخي يقيناً أنَّ البركة الّتي في المال الحلال القليل تفعل مالايفعله المال الحرام الكثير، وهذا متواترٌ معروفٌ بين النّاس، و إلّا فقل لي بربك : كيف تعيشُ أسرٌ كثيرةٌ في دمشق مكوّنة من أربعة أطفالٍ أكثر أو أقلّ، و بهذا الغلاء، و مدخولها الشّهري ما يقارب مئتي يورو !

كما هو معلوم أنَّ المال الحرام تُسلب منه البركة، حتّى إنَّ صاحبه لايجد للمال أيَّ أثرٍ يُذكر، تراه يردّد لا أعلم أين ذهب المال !، و ترى المال يذهب هباءً منثوراً في أعطال سيارته و الأدوات الكهربائيّة، وثمن الأدوية و الثّياب و الفواتير و المخالفات الخ، فكسبه بالحرام ليستمتع، فحرم من مراده، و لم يستفد من المال ، ثمَّ هو يُحاسَب عليه يوم القيامة.

وخطورة المال الحرام في أنَّ الأب يُنبت أجساد أطفاله على الحرام، فترى أثر ذلك في عقوقه لوالديه و تفلّته من الدّين، الخ.

أخيراً، إنَّ العيش كفافاً بالحلال عِزٌّ في الدّنيا و الآخرة، وصاحب الكسب الحرام يُذلُّ على يد أقرب النّاس إليه كزوجه و أولاده، ثمّ هو يوم القيامة في الأذلّين.

نسأل الله أن يرزقك الكسب الحلال وأن يُبارك لك فيه، وأن يحفظ عليك و على من تعول دينكم و خواتيم أعمالكم.

والله تعالى أعلم

تاريخ النشر بالميلادي 2019/02/17

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به