الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - الصلاة - الصلوات المفروضة و النوافل
رقم الفتوى 10532
نص السؤال مختصر

فضل قيام الليل ؟ و متى يبدأ ؟ و هل يقتصر فقط على الصلاة ؟ و أيهما أفضل قيام الليل أم ذكر الله بعد الفجر حتى تطلع الشمس ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله ، و الحمدلله ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، أما بعد :

- اتّفق العلماء على استحباب قيام الليل ، و في فضله وردت نصوص كثيرة من الكتاب و السّنة ، منها :

قوله تعالى : 

{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (15) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة ]

و عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : {عليكم بقيام اللّيل ، فإنّه دأب الصّالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربّكم، ومكفرة للسّيئات، ومنهاة للإثم }. رواه التّرمذي .

وأثنى صلّى الله عليه وسلّم على من يقوم اللّيل ، فقال : 

{ نِعمَ الرّجل عبد الله لو كان يصلّي من اللّيل ". فكان بعد لا ينام من اللّيل إلّا قليلاً }. متّفق عليه

ودعا صلّى الله عليه وسلّم للزّوجين يحثّان بعضهما على قيام اللّيل ، فقال : 

{ رحم الله رجلاً قام من اللّيل فصلّى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من اللّيل فصلّت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء }. رواه أبو داود .

و حثّ صلّى الله عليه وسلّم على المداومة على قيام اللّيل ، فقال :

{ يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم اللّيل فترك قيام اللّيل }. متّفق عليه .

وعلى المداومة على جميع الأعمال الصّالحة :

{ أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ . قال : وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته }. رواه مسلم.

و قال صلّى الله عليه وسلّم فيمن حال بينه و بين أداء عمله الصّالح العجز :

{ إذا مرض العبد أو سافر، كُتِب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً }.

وأقلّه ركعتان ، و لا حدّ لأكثره ، و يُسنّ أن يفصل بين كلّ ركعتين بسلام .

وقته : يبدأ بعد أن يؤدّي المرء صلاة العشاء ، و ينتهي بدخول وقت صلاة الفجر ، و الصّلاة في أوسط اللّيل أفضل من أوّله ، الصّلاة في السّدس الرّابع و الخامس أفضل الجميع .

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : { إنّ أحبّ الصّيام إلى الله صيام داود، وأحبّ الصّلاة إلى الله صلاة داود عليه السّلام ؛ كان ينام نصف اللّيل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه }. رواه البخاري و مسلم .

ولثلث الليل الأخير فضل عظيم ، يحسن بالمسلم أن يدع النوم لأجله ، إذ قال صلى الله عليه وسلم :

{ ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ }.

و لمعرفة متى يدخل وقت الثّلث الأخير ، فإن اللّيل يبدأ بدخول وقت صلاة المغرب ، وينتهي بدخول وقت الفجر ، فتُجمع عدد ساعات اللّيل و تُقسم على ثلاث .

إن الأصل في قيام اللّيل الصلاة ، { كما يحسن التأكيد على الثواب الكبير للمرأة في ذلك } ، ولكنّه يشمل أيضاً كل الأعمال الصّالحة ، واختلف السّلف و الخلف في ما أضافوه لصلاة الليل، فمنهم من خصّص جُزءاً كبيراً من اللّيل لطلب العلم و منهم من خصّصه لذكر الله والدّعاء و منهم لمراجعة محفوظهم من كتاب الله سواء داخل الصّلاة أو خارجها ، حتّى منهم من ختم القرآن كلّه في ركعة ، مثاله سيّدنا عثمان وسعيد بن الجبير وغيرهم كثير ، ويجوز حمل المصحف في صلاة الفريضة أو النّافلة ، إماماً  أو مأموماً ، مصحفاً ورقيّاً أو إلكترونيّاً ، على ألّا يُكثر من الحركة { المتواصلة } فتبطل صلاته .

و في عصرنا الحالي في ظلّ التّكنولوجيا يمكن للمرء أن يُعلّم العلم و هو في بيته ، كأن يُجيب على استفسارات طلبته ، حتّى الصّدقة ميسّرة و كذلك قضاء حوائج النّاس في ظلّ ميزة الدّفع الإلكتروني ، ولْيُكثر المؤمن ممّا حُبّب إليه ، ولْيجعل له من بقية الأعمال نصيباً و إن قلّ .

2- اتّفق العلماء على فضيلة صلاة الفجر في جماعة في المسجد ، واختلفوا في حكمها ، فمنهم من قال بالوجوب عيناً على كلّ رجل و منهم بالوجوب على الكفاية إن قام بها البعض سقطت عن غيرهم ، ومنهم من قال بأنّها سنّة مؤكّدة ، و الأرجح أنّها فرض كفاية ، و للنّساء مستحبة باتّفاق 

3- ثبت أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقعد يذكر الله بعد الفجر حتّى تطلع الشمس ، و اختلفوا في الحديث الّذي نصّ على أجر الحجّة و العمرة لمن صلّى الفجر في جماعة ثمّ قعد يذكر الله حتّى تطلع الشّمس ثمّ صلّى ركعتين ، فصحّحته طائفة من العلماء و ضعّفته طائفة ، و إن كان الرّاجح ثبوته و لكنّ العمل بالمتّفق عليه - وهو قيام الليل - أحوط من العمل بالمختلف فيه ، وهذا لمن أراد أن يعمل بواحدة إمّا قيام اللّيل و إمّا ذكر الله بعد الفجر .

و الأفضل الجمع بينهما ، إذ في الغالب الوقت بين دخول الفجر وطلوع الشّمس ساعة ونصف ، فمن خصّص ساعتين للعبادة فلْيقم من اللّيل نصف ساعة بعدّة أعمال صالحة ، ثمّ يصلّي الفجر في المسجد و يقعد يذكر الله حتّى تطلع الشّمس ثمّ يصلّي ركعتين .

و لاتدخل المرأة الّتي صلّت في بيتها وجلست تذكر الله في الحديث السّابق ، إذ إنّه مختصّ بمن صلّى في المسجد .

والله تعالى أعلم .

تاريخ النشر بالميلادي 2019/01/24

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به