استشارات و نصائح - الاستشارات - استشارات متنوعة - هموم الشباب |
|
---|---|
رقم الفتوى | 12961 |
نص السؤال مختصر | على الرغم من أني قرأت عدة كتب في مجال تربية النفس وتزكيتها إلا أنني أرى نفسي فوق الجميع وأفضل منهم وسأكون فائزاً وحدي مع انتقاصي لهم، عند إلقاء أول نظرة على أي شخص أشعر أنني خيرٌ منه، فضلاً عن أي عمل أقوم به أشعر بالمراءاة أمام الناس، فما العمل ؟ |
الجواب الكامل | بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد : فإن كنت ترى نفسك أنك أفضل من غيرك في مجال دنيوي من علم أو جاه أو مال فلا حرج في ذلك إن كان حقاً، إذ هذه الأمور يمكن للمرء القطع بصحتها، فالطبيب مثلا يعلم أنه أفضل في الطبّ من الممرض ومن العامي، بل من بعض الأطباء بحسب خبرته والنتائج التي حققها. أما إن كنت ترى نفسك أنك أفضل عند الله تعالى من كل من تقابله فهذا من عظيم الوهم الذي زينه لك الشيطان نعوذ بالله منه ومن وشروره، إذ كيف علمت ذلك وهو غيب لا يعلمه إلا الله؟ بعملك؟ هب أنك بنيت المشافي والجامعات ودور الأيتام والجمعيات ونهضت بالأمة وقضيت حاجات المسلمين أجمعين ما يدريك أنه قد تُقبّل منك ؟ إذ قبول عمل واحد خير من فعل أضعافه بلا قبول، فقد يُفتح لك باب العمل ويُغلق في وجهك باب القبول، {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99]. ووصف الله النخبة من عباده بقوله جل جلاله : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُون} [المؤمنون]، وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون }. رواه الترمذي وابن ماجة. وفي زماننا من الصالحين العاملين مَن هذه هي صفتهم على الحقيقة لا التكلف، يذرفون الدموع ويتملكهم الهم مخافة ألا يتقبل الله منهم، فضلاً عما روي عن السلف في ذلك من نصوص كثيرة، منها ما ذكره ابن القيم وغيره إذ قال : [قال بعض العارفين بالله وبنفسه : والله لو أعلم أن لي عملا واحدا وصل إلى الله لكنت أفرح بالموت من الغائب يقدم على أهله وقال عبد الله بن عمر لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلى من الموت {إنما يتقبل الله من المتقين}]. وانظر كلمة ابن القيم حين قال [قال بعض العارفين بالله وبنفسه] إذ من عرف نفسه حق المعرفة خاف أن يتكل على عمله. ثم هب أن تقبل الله منك كل أعمالك، ما يدريك أنه لم يصدر منك - على مر سنوات طويلة - قول أو عمل أحبط كل ما عملته وتقربت به إلى الله؟ وفي الحديث : {وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم} رواه البخاري. ثم ما يدريك بم يختم لك؟ قد يكلك الله لنفسك فتتخبط في الشبهات والشهوات فتموت - لا قدر الله - على غير الإسلام. هب أن الله تقبل أعمالك ولم تُحبط ومت على الإسلام، ما يدريك أنك خير من غيرك؟ لذنوبه التي تراها منه ؟ قد يدرك توبة صادقة قبل موته فيبدلها الله له حسنات فيعلوك عنده تعالى - على فرض أنك خير منه - وقد يكون إثم ذنوبه الظاهرة دون إثم ذنوب أمراض قلبك، إذ من رأى نفسه أفضل من غيره دون دليل قاطع قد احتكم لهواه وهو دليل على كبر أصاب قلبه. والذي نريده مما سبق ليس إغلاق الدنيا في وجهك أو الانتقاص منك، إنما بيان الحقيقة التي يبذل الشيطان جهده أن يخفيها عنك أو التقليل من قيمتها، وهي حاجة المسلم : إلى العمل الصالح مع الخوف من عدم قبوله. وإلى العلم بأنه لا يعلم أحد أفضلية أحد على أحد عند الله عز وجل. أما إن كان شعورك بأفضليتك على غيرك مجرد خاطر يمر مرور الكرام فتطرده بما تعلمه من الحقيقة السابق ذكرها فهذا لا يضرك وهو من عمل الشيطان فجاهد نفسك. كذا شعورك بالرياء أثناء عملك فهذا أيضا من عمل الشيطان إذ يريد أن يزين لك أنك تعمل لغير الله لتترك العمل مخافة أن يعاقبك الله، والصواب أن تنوي قبل بدء العمل أن عملك لله تعالى خالصا ثم تباشر به فإن شعرت بالرياء جدد نيتك ولا تترك العمل، فإن تركته بلغ الشيطان مراده وخسرت عملا يُكتب في صحيفتك. ومما يعينك على نفسك وشيطانك الدعاء وكثرة ذكر الله في ليلك ونهارك. والله تعالى أعلم. |
تاريخ النشر بالميلادي | 2021/11/14 |