الحديث الشريف - الحديث - علوم الحديث المختلفة - مصطلح الحديث و غيره
رقم الفتوى 12651
نص السؤال مختصر

كم مرة شُق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فالمقصود بشق الصدر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من شق الملائكة لصدره الشريف ثم غسل صدره وقلبه وإعادته بعد ذلك من جديد كما كان سابقاً.

وقد تواتر نقل قصة (شق الصدر) عن النبي صلى الله عليه وسلم بالعموم، وحكم عدد من العلماء منهم ابن حجر العسقلاني وغيره بتواتر قصة (شق الصدر)، وهي كما قالوا، فقد نقلها عنه قرابة العشرة من أصحابه رضوان الله عليهم.

هذا من حيث العموم، وأما التفصيل فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة حصول هذه الحادثة للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين.

• أولاهما: 

ما حصل له وهو طفل صغير عند مرضعته حليمة.

- فروى مسلم في صحيحه وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة (يعني قطعة دم)، فقال: "هذا حظ الشيطان منك"، 

ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه (ضم طرفيه فالتأما) ثم أعاده في مكانه. 

وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني : ظئره – (أي مرضعته)، فقالوا: إن محمداً قد قتل !، 

فاستقبلوه وهو منتقع اللون. 

قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره .)

- وروى ابن حبان في صحيحه وغيرُه عن حليمة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت وهي تحكي عن رعايته (فبينا هو يلعب وأخوه يوماً خلف البيوت يرعيان بهما لنا، إذ جاءنا أخوه يشتد( يعني يجري)، فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي، قد جاءه رجلان فأضجعاه، وشقا بطنه ! 

قالت: فخرجنا نشتد فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه، فاعتنقه أبوه واعتنقته، ثم قلنا: ما لك أي بني؟ 

قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاني ثم شقا بطني، فوالله ، ما أدري ما صنعا..) الحديث.

- وروى الدارمي والحاكم وصححه عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أنّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف كان أول شأنك يا رسول الله ؟ 

قال (كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بَهم لنا (يعني غنم) ولم نأخذ معنا زاداً ، فقلت : يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي وكنت عند البهم، فأقبل طيران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو ؟ قال: نعم.

فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفاء فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: حصه (يعني : خطه) واختم عليه بخاتم النبوة .. ثم انطلقا وتركاني ..) الحديث

• ثانيتهما: 

ما حصل له ليلة الإسراء والمعراج.

- فروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن ليلة الإسراء والمعراج: 

(فُرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري، (يعني شقه) ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثم أطبقه ..) الحديث

- وفي الصحيحين من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فقال (بينما أنا في الحطيم مضطجعاً، إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه (يعني من ثغرة نحره إلى شعرته)، فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي ثم حشي ..) الحديث

- وفي الصحيح أيضاً عن أنس بن مالك في روايةٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم (أُتيتُ فانطلقوا بي إلى زمزم) قال (فتولاه منهم – يعني ممن أتاه من الملائكة - جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتي بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشو إيماناً وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده (يعني عروق حلقه) ثم أطبقه ..) الحديث

فهذا ما صح في الصحيحين وغيرهما من حصول حادثة (شق الصدر) مرتين، مرةً في طفولته عليه الصلاة والسلام ومرةً عند الإسراء والمعراج.

• وقد روي في أحاديث أخرى (فيها ضعف) أن شق الصدر حصل في غير هاتين المرتين أيضاً.

- فروي أنه وقع للنبي صلى الله عليه وسلم عند عمر عشر سنين، كما روى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وغيره عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أول أمره قال (إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو؟ قال : نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح (يعني روائح) لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسا.

فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري، ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له : أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها، فقال له : أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى، فقال : اغدُ واسلم ..) الحديث، وإسناده ضعيف فيه عدة مجاهيل، ضعفه ابن المديني وغيره.

- وروي أنه وقع عند البعثة، كما روى أبو داود الطيالسي وغيره عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف بدء الوحي أنه قال (..فأخذني جبريل ، فصلقني لحلاوة القفا وشق عن بطني، فأخرج منه ما شاء الله ثم غسله في طست من ذهب ثم أعاده فيه، ثم كفأني كما يكفأ الإناء ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم، ثم قال لي {اقرأ باسم ربك} ..) الحديث، وإسناده ضعيف لجهالة بعض رواته.

والحاصل أنّ ما صح في حادثة شق الصدر مرتان، وما كان في إسناده ضعف مرتان أخريان، وقد اختلف العلماء في تعدد حصول حادثة شق الصدر، فقال بعضهم إنها لم تقع إلا مرة واحدة، وقال أكثر العلماء إنها حصلت أكثر من مرة كما صح في الأحاديث التي سبق ذكرها، وهو الصحيح. 

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/10/04

المفتي


د. براء يوسف حلواني

د. براء يوسف حلواني

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به