العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 12625
نص السؤال مختصر

ما تفسير زواج النبي بأكثر من أربع زوجات، فقد كان عدد زوجاته المتفق عليهن إحدى عشرة زوجة رضوان الله عليهن أجمعين ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فالغيرة إنما جعلها الله في قلب المرأة لتحرص على زوجها فلا تضيعه من بين يديها، لا أن يصبح مرضاً ووسواساً يحرق قلبها كما هو الحال في زماننا، ولو فكرت بعقلها لعلمت أن غاية وجود الخليقة هي التناسل والتكاثر لإيجاد أجيال توحّد الله تعالى، فقال مواقع وتطبيقات ينصح بها «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [أبو داود، النسائي، ابن ماجة، أحمد]. فلو رغب الناس عن الزواج لانقرضت البشرية، أو أفنتهم الجوائح والآفات والأوبئة والحروب التي لا تتوقف.

فالواجب على المرأة عموماً أن توازن بين عقلها وقلبها في هذا الأمر.

أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن عن شهوة وغريزة كما يروج أعداء الإسلام، فيظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم يفكر في قضية الزواج كما يفكرون هم، ويقيسونه على أنفسهم، فكل زوجاته ثيبات عدا عائشة كانت بكراً، ومعظمهن كبيرات رضي الله عنهن أجمعين، وأول زوجتيه خديجة وسودة رضي الله عنهما كانتا أكبر منه، وزوجته الأولى خديجة رضي الله عنها لم يتزوج غيرها حتى ماتت، وكل زوجاته بعد سودة تزوجهن بعد سن الخمسين.

وهذا يستدعي منا أن ننظر إلى سلوكيات النبي صلى الله عليه وسلم من منظور النبوة، فهو جاء لنشر دعوة ونشر دين، فاختصاصه صلى الله عليه وسلم بهذه الخصوصية هدفه توسيع دائرة المصاهرة والروابط الاجتماعية، وتقليل الحروب مع القبائل، فالزواج في ذلك الوقت هو رابطة قوية بين أسرتين، وهكذا يجب أن يكون الزواج دائماً، لا كما هو عليه اليوم، كما أن كل زوجة من زوجاته هي مرجع من مراجع أحكام النساء الخاصة وأحكام الأسرة، وهذا غير ممكن -مع كثرة المؤمنين- بعدد قليل من النساء.

هذا من حيث العموم، أما من حيث الخصوص، فكل زوجة من الزوجات كان لزواجه منها سبب خاص يتعلق بها أو بالمصلحة الدعوية ولا يستفيد منه هو صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي بيان ذلك:

1. خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: لم يتزوج معها غيرها، وقد حملت معه دعوته بكل ما تملك.

2. سودة بنت زمعة رضي الله عنها: لما رجعت من الحبشة توفي زوجها، وكان أهلها وأقرباؤها من المشركين المعاندين المعادين لله ولرسوله، ولم تجرؤ سودة على العودة إلى أقربائها خوف الفتنة على دينها، وبقاؤها بدون معيل وراع لها يؤدي إلى ضياعها فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للزواج بها إنقاذاً لها من الفتنة أو الضياع، وكانت تكبره حينها بخمس سنوات حيث كانت في الخامسة والخمسين من عمرها.

3. أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها: عوضها النبي صلى الله عليه وسلم عن الزوج الذي فقدته عند هجرتها إلى الحبشة، وتكريماً لها لصبرها وجهادها في غربتها، ثم ليتألف قلب أبي سفيان الذي آلت إليه زعامة قريش بعد هلاك أبي جهل. لذا عندما قيل له: إن محمداً تزوج ابنتك من غير مشورتك [يريدون إثارته وتأليبه على رسول الله] قال: هذا الفحل لا يقدع أنفه. فشعر بنوع من الاعتزاز بهذه المصاهرة.

4. جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: من بني المصطلق، حيث كان هذا الزواج سبباً في تحرير بني قومها من الرق والأسر، فدخل بسبب زواجها البركة والفرحة إلى أكثر من مائة بيت من بني قومها؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم عندما سمعوا زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جويرية وكانت ابنة سيد قومها، قالوا: أصهار رسول الله كيف نسترقهم؟! فأعتقوهم جميعاً. وصار بنو المصطلق بعد ذلك من أشد جند الله، حيث أبدلوا المحبة والنصرة بالعداوة والبغضاء.

5. صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها: تزوجها ليكف شر اليهود من جهة، وليدرك الناس أن دعوته للناس جميعاً، وأنه يريد الخير لجميع الفئات والملل، وليس القصد من دعوة الإسلام إذلال أقوام والتعالي عليهم بدون حق، عدا عن علمها بوعد التوراة بخروج النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كانت الغاية الغريزة وحدها لأبقاها سبية.

6. عائشة بنت الصديق وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين: الزواج بهما كان فيه تكريم لوالديهما، فهما الصاحبان الوزيران المجاهدان في سبيل الله، ومن أقرب الناس إلى قلب رسول الله ودعوته ونصرته. وفي ذلك قطع لألسنة المنافقين الذين يطعنون في أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم، فلو كان عند النبي صلى الله عليه وسلم أدنى شك في دين أبي بكر وعمر لما تزوجهما، وهو الذي يأتيه الخبر من فوق سبع سماوات.

7. زينب بنت خزيمة رضي الله عنها: أرملة شهيد الإسلام (عبيدة بن الحارث ابن عبد المطلب) أحد أبطال المسلمين الذين استشهدوا في بدر، وكانت الزوجة من المجاهدات تسعف الجرحى في المعركة، فكان زواجه بها مواساة لها وتكريماً لها ولزوجها المجاهد الشهيد بعد وفاته.

8. أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها: وهي امرأة مسنة تزوجها بعد استشهاد زوجها أبي سلمة في غزوة أحد، وبقيت مع أطفالها الأربعة لا معيل لهم، فضمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عياله.

9. زينب بنت جحش رضي الله عنها: فزواجه منها بعد طلاقها من زيد بن حارثة متبناه كان فيه ترسيخ عملي لحكم إبطال التبني بشكل كامل دون أدنى متعلقات.

10. ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: وهي لها قرابة من بني هاشم وبني مخزوم، وهي آخر زوجاته، وقد تزوجها بعد عمرة القضاء، وزوجها له عمه العباس رضي الله عنه، فقد جعلت أمرها إلى العباس بعد وفاة زوجها الثاني، فاختار لها الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنه لم يكن قد خرج من مكة حينئذٍ ولم يعلن إسلامه.

فمن نظر إلى هذا الأمر بنظرة سليمة رأى فيه خيراً عظيماً لهذه الرسالة ولانتشار التشريع ورسوخه، ومن نظر إليه من قلب مريض لم ير إلا شبهات المستشرقين ولجلجتهم.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/09/15
اسم المصدر [7]

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به