الفقه الإسلامي - الآداب و الأخلاق و الرقائق - الآداب - أحكام اللسان
رقم الفتوى 12622
نص السؤال مختصر

حكم الصوم عن الكلام ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

1- الإمساك عن الكلام بنية العبادة : غير جائز ، لأنه لا يُتقرب إلى الله إلا بما شرعه ، ولم يُشرع لنا أن نتقرب إليه بالإمساك عن الكلام ، وقد جاء النهي عن ذلك صريحاً فقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقَالُوا : أَبُو إِسْرَائِيلَ ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ ، وَلَا يَسْتَظِلَّ ، وَلَا يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) .

قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" :

"وفيه دليل على أن السكوت عن ذكر الله : ليس من طاعة الله ... وإنما الطاعة ما أمر الله به ورسوله" .

وروى أبو داود عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال : حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ) .

قال العلامة الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" :

"وقوله : (لا صمات يوم إلى الليل ) كان أهل الجاهلية من نسكهم الصمات، وكان الواحد منهم يعتكف اليوم والليلة ، فيصمت ولا ينطق؛ فنهوا عن ذلك، وأمروا بالذكر والنطق بالخير". 

ويؤيد ما ذكره العلامة الخطابي رحمه الله من أن التعبد لله بالسكوت عن الكلام هو من فعل أهل الجاهلية ، ما رواه البخاري عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ ، فَقَالَ : (مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ ؟ قَالُوا : حَجَّتْ مُصْمِتَةً . قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ) .

وقال العلامة المناوي رحمه الله في "فيض القدير" :

"(ولا صمات يوم إلى الليل) أي لا عبرة به ، ولا فضيلة له ، وليس مشروعاً عندنا ، كما شرع للأمم قبلنا ؛ فنهى عنه لما فيه من التشبه بالنصرانية " .

2- وأما السكوت عن الكلام بدون نية العبادة ، ولكن بنية الابتعاد عن اللغو والمشاركة في لهو الحديث : فهو مندوب ، وكذلك إذا كانت النية تدريب اللسان على الانضباط فهو مباح بشرط ألا يؤدي ذلك إلى السكوت عن أمر لا ينبغي السكوت عنه .

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالسكوت مطلقا ، وإنما أمرنا بالسكوت إذا كان الكلام لا خير فيه ، وأمرنا بالكلام إذا كان الكلام خيراً .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) روى البخاري ومسلم .

قال الامام النووي رحمه الله :

"مَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم : فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ ، وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ .

وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ ، فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام ، سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.

فَعَلَى هَذَا : يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ ، مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ ، مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه . وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد) ".

والله تعالى أعلم.

الجواب الكامل
تاريخ النشر بالميلادي 2020/09/12

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به