الحديث الشريف - الحديث - علوم الحديث المختلفة - مصطلح الحديث و غيره
رقم الفتوى 12613
نص السؤال مختصر

ما صحة حديث {داووا مرضاكم بالصدقة} ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فالحديث المذكور روي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أشهرها ما رواه البيهقي في سننه "وأشار إلى ضعفه" والطبراني في الكبير وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وأعدوا للبلاء الدعاء)، تفرد به موسى بن عمير أبو هارون القرشي وهو منكر الحديث واتهمه بعض العلماء بالكذب، ولهذا استنكر عدد كبير من العلماء هذا الحديث، منهم البزار وابن عدي والدارقطني وغيرهم، وعدوه من منكرات عمير هذا.

وقد روي الحديث بألفاظ متقاربة من طرق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها واهية شديدة الضعف أيضاً، 

منها حديث ابن عمر عند البيهقي في الشعب "واستنكره" تفرد به محمد بن يونس الكديمي وهو متهم بالكذب، 

ومنها حديث عبادة بن الصامت عند الطبراني في الدعاء تفرد به عراك بن خالد وهو مضطرب الحديث وقال أبو حاتم حديثه هذا منكر، 

ومنها حديث أبي أمامة عند البيهقي في الشعب "وضعفه" تفرد به فضال بن جبير وهو صاحب مناكير، واعتبر ابن عدي كل روايات فضال عن أبي أمامة ضعيفة، 

ومنها حديث سمرة بن جندب عند البيهقي في الشعب "وضعفه" وإسناده فيه أكثر من مجهول وضعيف، والحديث ضعفه الدارقطني وغيره، 

ومنها حديث أنس بلفظ (ما عولج مريض بأفضل من الصدقة) عند الديلمي وفيه عدد من المجاهيل، وتفرد الديلمي به على هذه الحال دليل نكارته.

وخلاصة الأمر أن الحديث بكل طرقه شديد الضعف، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلاً بحال.

وأقوى طرقه ما رواه أبو داود في المراسيل وغيره بإسناد جيد عن الحسن البصري مرفوعاً إلى النبي مرسلاً بلفظ (حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع)، 

لكنه مرسل منقطع بين الحسن البصري وبين النبي صلى الله عليه وسلم، والمرسل من أنواع الضعيف.

وقد صرح عدد من العلماء بأن هذا المرسل أقوى ما في الباب، منهم البيهقي وابن الجوزي والمنذري وغيرهم.

فهذا ما يتعلق بصحة الحديث المذكور، 

وأما معناه (بأن الصدقة تدفع عن المريض المرض) فربما يدخل في عموم ما ثبت من أن الصدقة تعين في دفع البلاء.

فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف (فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا) قال الإمام ابن دقيق العيد معلقاً على ذلك (وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف، لاستدفاع البلاء المحذور)، 

وربما يدخل في عموم ما رواه الترمذي "وقال حسن غريب" وابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء)، وغيرها من النصوص العامة التي تدل على ما يستفيده المتصدق من صدقته في أمور دنياه.

ولهذا استحب عدد من العلماء للمريض التداوي بالصدقة - رغم ضعف الحديث - استئناساً بهذه الأصول العامة.

حتى قال الإمام ابن القيم (فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه)، 

وممن نص على ذلك أيضاً الإمام ابن مفلح فقال بعد أن ذكر ضعف الحديث (وجماعة من أصحابنا وغيرهم يفعلون هذا، وهو حسن، ومعناه صحيح)، 

ومنهم المناوي رحمه الله حيث قال معلقاً على الحديث (فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإغاثة مكروب، وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية، ولا ينكر ذلك إلا من كشف حجابه).

 وأختم هنا بقصتين لطيفتين ذكرهما الإمام البيهقي في شعب الإيمان تعليقاً على التداوي بالصدقة ونحوها:

نقل البيهقي عن ابن المبارك، أن رجلاً سأله: يا أبا عبد الرحمن، قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين، وقد عالجت بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع به.

فقال له ابن المبارك: " اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئراً، فإني أرجو أن تنبع هناك عين، ويمسك عنك الدم " ففعل الرجل فبرئ.

ثم قال البيهقي رحمه الله معلقاً : 

وفي هذا المعنى حكاية قرحة شيخنا الحاكم أبي عبد الله رحمه الله، فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له، وأكثر الناس في التأمين.

فلما كانت الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها، واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها (قولوا لأبي عبد الله: يوسع الماء على المسلمين)، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء بنيت على باب داره وحين فرغوا من البناء أمر بصب الماء فيها وطرح الجمد (يعني الثلج) في الماء، وأخذ الناس في الشرب.

فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنيناً. 

أسأل الله أن يشفي مرضى المسلمين، وأن يجمع لهم بين وافر الأجر وتمام العافية.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/09/02

المفتي


د. براء يوسف حلواني

د. براء يوسف حلواني

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به