الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - ما يلحق بالعبادات - الأدعية و الرقائق و الأذكار
رقم الفتوى 12591
نص السؤال مختصر

ما حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وما معناه ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

قبل الخوض في حكم التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لابد من بيان أن هذه المسألة من مسائل الفروع الفقهية التي لا ينبغي الإنكار فيها وإحداث الشقاق والنزاع، فمن اقتنع بأدلة المجيزين ودعا بهذا الدعاء فله ذلك ولا يليق اتهامه بالابتداع، ومن اقتنع بأدلة المانعين ولم يدع بهذا الدعاء فله ذلك ولا يليق اتهامه بالشدة والجفاء، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -وهو من القائلين بمنع التوسل بالجاه- يقول: [وإن كان في العلماء مَن سوغه - أي جازه- ، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع، فيُرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، ويُبدي كل واحد حجته كما في سائر مسائل النزاع، وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين، بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم] انتهى من مجموع الفتاوى [1/ 285-286]. 

1- لا خلاف بين العلماء في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم على معنى الإيمان به ومحبته ، وذلك كأن يقول : أسألك بنبيك محمد ويريد : إني أسألك بإيماني به وبمحبته ، وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته ، ونحو ذلك . قال الشيخ ابن تيمية : من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع 

2- معنى التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم :

قال العلامة الألوسي في تفسيره "روح المعاني : 

[أنا لا أرى بأساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حياً وميتاً ، ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى ، مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته ، فيكون معنى قول القائل : إلهي أتوسل بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي . إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي ، ولا فرق بين هذا وقولك : إلهي أتوسل برحمتك أن تفعل كذا ، إذ معناه أيضا إلهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا]. 

3- اختلف العلماء في مشروعية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كقول القائل : اللهم إني أسألك بنبيك أو بجاه نبيك ، على قولين :

أ- القول الأول :

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية وهو المذهب المعتمد عند الحنابلة - إلى جواز هذا النوع من التوسل سواء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته . 

قال العلامة القسطلاني : 

( وقد روي أن مالكاً لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي - ثاني خلفاء بني العباس - يا أبا عبد الله أأستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو ؟ فقال له مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله عز وجل يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله .

وقد روى هذه القصة أبو الحسن علي بن فهر في كتابه " فضائل مالك " بإسناد لا بأس به وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه. 

واستدلوا على ذلك بعموم قوله تعالى :

: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35، وقد ورد في ذلك حديث خاص، وهو حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه حين علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ) رواه الترمذي (رقم/3578) وقال: حسن صحيح.

وبأن بعض الصحابة استخدموا هذا الدعاء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البيهقي والطبراني في المعجم الكبير - وصحح هذا الأثر الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب والحافظ نور الدين الهيتمي - عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته ، فشكا ذلك لعثمان بن حنيف ، فقال له : ائت الميضأة فتوضأ ، ثم ائت المسجد فصل ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلق الرجل فصنع ذلك ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فجاء البواب فأخذ بيده ، فأدخله على عثمان رضي الله عنه فأجلسه معه وقال له : اذكر حاجتك ، فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال : ما لك من حاجة فاذكرها ثم خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال له : جزاك الله خيراً ما كان ينظر لحاجتي حتى كلمته لي ، فقال ابن حنيف ، والله ما كلمته ولكن « شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره » .

إلى آخر حديث الأعمى المتقدم .

قال العلامة المباركفوري : 

[قال الشيخ عبد الغني في إنجاح الحاجة : ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث - حديث الأعمى - يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته ، وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان . . إلى آخر الحديث].

وقال العلامة الشوكاني في "تحفة الذاكرين" : 

[وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن]. 

ب- القول الثاني :

ذهب شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية وبعض الحنابلة من المتأخرين إلى أن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز.

والله تعالى أعلم. 

تاريخ النشر بالميلادي 2020/08/10

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به