الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - الصلاة - الصلاة على الميت و أحكام الجنائز
رقم الفتوى 12588
نص السؤال مختصر

ما حكم كشف وجه الميت عند الصلاة عليه أو بعد إنزاله إلى قبره ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

1- لا يجوز كشف وجه الميت أثناء الصلاة عليه ، لأن الأصل تغطية وجه الميت عند تكفينه؛ إكراماً للميت وصيانةً لحرمته، بل ستر الوجه مقدمٌ على ستر الرجلين إذا قصر الكفن عن استيعاب جسد المتوفى؛ فعن خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله تعالى، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عميرٍ رضي الله عنه قُتِلَ يوم أحد، فلم نجد له شيئاً يُكفَّن فيه إلا نمرة، وكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، فإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِيهِ الإِذْخِرَ» متفق عليه. والإِذْخِر: نوعُ نباتٍ طيب الرائحة.

2- ولكن اعتاد الناس كشف وجه الميت عند إنزاله في القبر ، وهذه عادة اختلف الفقهاء في حكمها الشرعي فبعضهم قال ليس من السنة كشف الوجه مطلقاً ، لأن في كشف وجه الميت تشبهاً باليهود ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والضياء المقدسي في "المختارة"، وصححه ابن القطان، وقال الهيثمي: ورجاله ثقات.

غير أنَّ بعض السلف وجماعةً من فقهاء الشافعية والحنابلة استحبوا كشف خدِّ الميت وإلصاقه بالأرض عند دفنه؛ إظهاراً للاستكانة، ومبالغة في التضرع، وتعطّفاً لله تعالى رجاء القبول والرحمة في هذا المنزل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أوصاني عمر بن الخطاب فقال: "إِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي فَأَفْضِ بِخَدِّي إِلَى الْأَرْضِ؛ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ خَدِّي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ" أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، وعن الضَّحاك ابن مُزاحم أنَّه أوصى أن تُحَل عنه العقد ويبرز وجهه من الكفن. أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصنف".

قال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (3/ 26، ط. دار المنهاج): [ولو أفضى بوجهه إليها، أو إلى تراب قبره حتى يكون على صورةِ مستكينٍ لربه: كان حسناً] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 293، ط. دار الفكر): [وقد صرح المصنف في "التنبيه" والأصحاب بالإفضاء بخده إلى التراب، ومعناه: أن يُنَحَّى الكفن عن خده ويوضع على التراب] 

وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" :

[ويزال الكفن عن خده ويلصق بالأرض؛ لأنه أبلغ في الاستكانة؛ قال عمر رضي الله عنه: "إذا أنا مِتُّ فأفضوا بخدي إلى الأرض"] .

والأمر فيه سعة فمن شاء أن يُغطَّى وجه الميت عند دفنه؛ استصحاباً لهيئة تكفينه، ومن شاء كشفَ خدِّ الميت الأيمن وإفضاءَه إلى الأرض؛ مبالغةً في الاستكانة والخضوع، وإظهاراً للاحتياج والتذلل، مما هو أليق بالعبد الضعيف في هذا الموضع.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/08/09

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به