الحديث الشريف - الحديث - الحديث النبوي و ما يرشد إليه - شروح الحديث وما يرشد إليه
رقم الفتوى 12578
نص السؤال مختصر

وردت العديد من الأحاديث التي ترتب على فعل عمل صالح معين أجر حجة تامة تامة، والحق أن في قلبي منها شيء، وقول من قال إنها تعدل أجر الحجة في الجزاء لا في الإجزاء لا يزيل الإشكال عندي، إذ كيف يستوي من أنفق المال الكثير لأجل حجة - غير حجة الفريضة - وهاجر أياما قد تصل إلى شهر مع من قعد يذكر الله بعد الفجر حتى طلوع الشمس؟ وهو ما لا يستهلك منه أكثر من ساعة ونصف؟ ثم أليس في اختلاف العلماء في الحكم على مثل هذه الأحاديث مرجح بأنها لا تثبت؟ إذ لو كانت ثابتة لتواتر عمل السلف عليها لعظيم ثوابها ويسر فعلها كما تواتر فعلهم على تلك الأذكار التي يترتب عليها عظيم الثواب ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فالحديث المذكور هو ما رواه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة) . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تامة تامة تامة)، وهو من رواية أبي هلال القسملي عن أنس بن مالك، وأبو هلال راوٍ ضعيف.

لكن للحديث شواهد أخرى من رواية أبي أمامة الباهلي وعبد الله بن عمر وغيرهما، وإن كانت شواهده أيضاً لا تخلو من ضعف لكنها بمجموعها تدل على أن للحديث أصلاً، ولهذا حسنه بعض العلماء.

وأما الإشكال الذي ذكره السائل في معنى الحديث وكيف يكون لمن قام بهذا العمل البسيط أجرٌ يساوي من ذهب لحج بيت الله تعالى وأنفق الأموال والأوقات الطوال في عمله هذا فهو سؤال في محله، وهذا الإشكال يرد أيضاً على عدد من الأحاديث التي يدل ظاهرها على التسوية في الأجر بين العامل بعمل كبير وغيره.

ومن ذلك التسوية بين أجر من دعا الناس إلى عمل عظيم (كالحج مثلاً) وبين أجر العامل به، كما في حديث (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء) رواه مسلم، 

ومثل التسوية بين أجر من يتمنى أن يكون له خير عظيم ليعمل به مثل عمل غيره (كالحج أيضاً) وبين أجر العامل به، كما في حديث (إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو صادق النية ، يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرهما سواء..) رواه الترمذي وغيره وقال حديث حسن صحيح، وغيرها من الأحاديث التي تدل على نفس المعنى.

وهذا الإشكال سبق أن طرحه العلماء في شروحاتهم وكتبهم وأجابوا عنه، ولهم في تعاملهم معه مسالك، 

لكن ليعلم السائل أن عامة شراح الحديث لم يقولوا بأنهما هنا متساويان في كل الأجر حقيقةً، بل فرقوا بينهما لصالح العامل بالعبادة، ونصوا على أن قوله في حديث الذكر حتى تطلع الشمس (تامة تامة تامة) من باب المبالغة في الحث لا الحقيقة.

وبناء على ذلك تأول العلماء هذه الأحاديث التي ظاهرها التسوية بين العامل وغيره في أجر العمل على وجوه ثلاثة:

1_ إن المقصود في التسوية بينهما التسوية في (استيفاء) الأجور من الله، لا في (مقدار) الأجور.

فكما أن الحاج يستوفي أجره من الله تعالى كاملاً فكذلك الذاكر أو المتمني الصادق أو من دعا غيره للحج يستوفي أجره في ذكره وأمنيته وهداية غيره كاملاً من الله تعالى.

2_ إن هذه الأحاديث من باب التشبيه، قالوا: والتشبيه لا يلزم منه التسوية بين المشبه والمشبه به من كل وجه، إذ قد يكون المشبه أقل وأصغر من المشبه به، كما في تشبيه نور المشكاة بنور الله تعالى ونحو ذلك.

قالوا : فهذا التشبيه هنا من باب إلحاق الناقص بالكامل والقليل بالكثير ترغيباً للعامل في العمل لا أنه مساوٍ له من كل وجه.

3_ إن لكل عمل أجراً أصلياً عند الله تعالى قبل العمل به، ثم يضاعف الله تعالى الأجور بعد العمل بها أضعافاً كثيرة لمن شاء، كما في الحديث الصحيح (إن الله كتب الحسنات والسيئات .. فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة..) رواه مسلم، فالحديث هنا ينص على اختلاف أجر العمل قبل أن يعمل به الإنسان وبعد عمله به.

قالوا: فهذه الأحاديث هنا تتكلم عن مساواة أجر الذاكر والمتمني الصادق والداعي غيره إلى الهدى للأجر الأصلي للحج والصدقة ونحوها (قبل أن يعمل بها صاحبها)، لا عن الأجور المضاعفة التي ينالها العامل بعد العمل.

كما أنه لا يشمل بطبيعة الحال ما يناله العامل أثناء عمله من أجر لأمور جانبية ليست لازمة للعبادة، مثل الهم والغم والإرهاق والتعب والمشقة (والأجر على قدر المشقة) كما في الحديث، والبكاء من خشية الله تعالى ونحو ذلك، فمثل هذا ليس لازماً لهذه العبادات، وإنما ينال أجره من وقعت منه هذه الأمور أثناء عبادته لا من ألحق به.

والقولان الثاني والثالث متقاربان، والثالث هو الأقوى والأرجح.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/08/04

المفتي


د. براء يوسف حلواني

د. براء يوسف حلواني

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به