الحديث الشريف - الحديث - الحديث النبوي و ما يرشد إليه - شروح الحديث وما يرشد إليه
رقم الفتوى 12572
نص السؤال مختصر

كيف أنزل الله حد الرجم؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

أول ما أنزل الله تعالى في حكم الزنا قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [النساء: 15] ، فجعل الله تعالى حكم من يثبت عليها الزنا بالشهداء الأربعة الإمساك في البيوت حتى تموت أو يجعل لها سبيلاً غير ذلك.

ثم أنزل الله تعالى توضيح السبيل بعد ذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في صحيح مسلم وغيره (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي: فَقَدْ جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، والثيبُ بِالثيبِ جَلْدُ مِائَةٍ والرَّجْمُ)، فجاء هذا الحديث جواباً وتبياناً للسبيل الذي ذكرته الآية في آخرها، وشرع الله حينها الجلد والرجم معاً.

ثم جاءت آية سورة النور فذكرت حد غير المحصن من الزناة فقط وهو الجلد، ولم تتعرض لحد الزاني المحصن كما أجمع العلماء.

وقد ورد في كثير من الروايات الصحيحة أنه أنزلت آية قرآنية أخرى تتكلم عن حد الرجم صراحة، ثم نسخ الله تعالى تلاوتها في القرآن الكريم وبقي حكمها ثابتاً صحيحاً معمولاً به من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بعده.

رويت هذه الرواية عن (7) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (2) منهما روايتهما عن آية الرجم في الصحيحين.

وممن صح عنه هذا الخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد خطب بهذا على المنبر في خطبة الجمعة كما في الصحيحين بحضور جموع الصحابة، وفيهم سعيد بن زيد (أحد العشرة المبشرين بالجنة) وعبد الله بن عباس وغيرهما، فقال:

(إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، "وفي رواية: يا أيها الناس لا تخدعُنّ عن آية الرجم، فإنها قد نزلت في كتاب الله عز وجل وقرأناها" وفي رواية "لقد حفظتها وعلمتها وعقلتها، ولولا أن يقال كتب عمر في المصحف ما ليس فيه لكتبتها بيدي كتاباً" ولكنها ذهبت مع قرآن كثير ذهب مع محمد صلى الله عليه وسلم (يعني نسخ التلاوة)، وآية ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد رجم، وأن أبا بكر قد رجم، ورجمتُ بعدهما"

فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، 

والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف)

وممن روي عنه أيضاً إثبات خبر آية الرجم زيد بن ثابت (من أعلم الناس بالقرآن وكاتبه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جمع القرآن وكتبه في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان بالرسم العثماني المتواتر إلى اليوم)، 

وأبي بن كعب (من أعلم الناس بالقرآن وأحفظهم له)، وقد حدد في روايته أن هذه الآية كانت أنزلت في سورة الأحزاب، ثم نسخت تلاوتها.

وعبد الله بن عباس (ترجمان القرآن)، 

وأم المؤمنين عائشة (أعلم أمهات المؤمنين)، وغيرهم ممن روى حديث آية الرجم.

ونسخ التلاوة هذا مع بقاء الحكم هو مما أشارت إليه آيات القرآن الكريم في قوله تعالى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 106]، وقوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [الأعلى: 6، 7].

ومع ذلك فحتى لو افترضنا أن آية الرجم ليست مما نزل في القرآن الكريم، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن حكم الرجم والجلد قد نزل عليه تبياناً لآية {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [النساء: 15]، وتبيين آيات القرآن وتفسيرها إحدى مهام النبي صلى الله عليه وسلم كما نص القرآن الكريم في قوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44]، فلا غرابة في أن يفسر النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ويبينه للناس بما أوحى الله إليه من الوحي داخل القرآن وخارجه.

والله تعالى أعلم.

الجواب الكامل
تاريخ النشر بالميلادي 2020/07/31

المفتي


د. براء يوسف حلواني

د. براء يوسف حلواني

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به