الفقه الإسلامي - ما يخص الفقه و أصوله - ما يخص الفقه - الحظر و الإباحة
رقم الفتوى 12549
نص السؤال مختصر

هل يحاسب المرء على تخيلاته؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

1- التخيلات على أنواعها سواء كانت جنسية أم تصورات تتعلق بالاعتداء على الآخرين في أموالهم وحقوقهم هي جزء من الخواطر التي تطرأ على ذهن الإنسان بسبب ما يستدعيه العقل الباطن من صورٍ مختزنةٍ أوحتها له البيئة التي يعيش فيها ، والمناظر التي يراها ، وهي تخيلات تصيب أغلب الناس ، وخاصة فئة الشباب ، لكنها تختلف من شخص لآخر من حيث النوع والإلحاح والتأثير .

والشريعة الإسلامية شريعة الفطرة ، جاءت منسجمةً مع الطبيعة البشرية ، وملائمةً للتقلبات النفسية التي جعلها الله سبحانه وتعالى جزءاً من التكوين البشري ، فلم تتعدَ حدود الممكن ، ولم تكلِّف بما لا يطاق .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ ) رواه البخاري ومسلم .
قال الامام النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث :
( وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه : فمعفو عنه باتفاق العلماء ؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه ) .

والتخيلات العارضة تدخل في دائرة حديث النفس المعفو عنه بنص الحديث السابق ، فكل من تصورت في ذهنه خيالات محرمة ، طرأت ولم يطلبها ، أو حضرت قَسراً ولم يَستَدْعِهَا : فلا حرج عليه ، ولا إثم ، وإنما عليه مدافعتها بما يستطيع .

2- وأما إذا كان الشخص يتكلف التخيلات المحرمة ، ويستدعيها في ذهنه ، ومثال ذلك : لو أن رجلاً وطئ زوجته متفكِّراً في محاسن أجنبيَّةٍ ، حتى خُيِّلَ إليه أنَّه يطؤُها ، فهل يحرم ذلك التفكر والتخيُّل ؟
كثير من الفقهاء قالوا بالتحريم ، وتأثيم من يستحضر بإرادته صُوَراً محرَّمَةً ويتخيلها حليلته التي يجامعها .
قال العلامة ابن عابدين الحنفي – رحمه الله - :
( والْأَقْرَب لقَوَاعِد مَذهَبِنَا عَدمُ الحِلِّ ، لأَنَّ تَصَوُّرَ تلك الأَجنبِيَّةِ بَينَ يَدَيْهِ يَطَؤُهَا فيهِ تَصويرُ مُبَاشَرةِ المَعصِيَةِ عَلى هَيئَتِهَا ) .
وقال الإمام محمد العبدري المعروف بابن الحاج المالكي – رحمه الله - :
( ويتعين عليه أن يتحفظ في نفسه بالفعل ، وفي غيره بالقول ، من هذه الخصلة القبيحة التي عمَّت بها البلوى في الغالب ، وهي أن الرجل إذا رأى امرأةً أعجبته وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها .
وهذا نوع من الزنا ؛ لما قاله علماؤنا رحمة الله عليهم فيمن أخذ كُوزاً يشرب منه الماء ، فصوَّرَ بين عينيه أنه خمر يشربه ، أن ذلك الماء يصير عليه حراماً ) .

3- إن الشريعة الإسلامية جاءت بقاعدة سد الذرائع ، ومنع كل باب يفضي إلى الشر ، وإفضاءُ التخيلات إلى الوقوع في المحرمات أمر متوقع ، فإن مَن أَكثَرَ مِن تصور شيء وتمنيه لا بد وأن تحفزه نفسه إلى الحصول عليه ، والسعي إلى الاستكثار منه ، فيبدأ بالتطلع إلى الصور المحرمة ، وتعتاد عيناه على مشاهدة المحرمات ، سعياً لتحقيق الشبع الذي أصبح مرتبطاً بتلك التخيلات .

وإن غالب تلك التخيلات إنما تجتمع في الذهن بالأسباب المحرمة ، عن طريق الفضائيات والأفلام والمسلسلات التي تشجع على الرذيلة ، وتزين المحرمات المتنوعة ، وتعلم من يتابعها فنون الجرائم ، وتظهر من يقوم بها بالذكاء والبراعة والبطولة.
لذلك لابد من الابتعاد عنها ، وإشغال النفس والعقل بالمباحات والنشاطات المفيدة والتي تعود على صاحبها بالخيرات والبركات.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/07/03

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به