الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - ما يلحق بالعبادات - الأدعية و الرقائق و الأذكار
رقم الفتوى 12443
نص السؤال مختصر

هلّا علمتموني الدعاء ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

نظرت فوجدت أن الدعاء فنٌ يُتقنه جلّ الصالحين المخبتين، وأنه لا بد أن يكون منه في جوف كل منا قسمان :

الأول، ما يُدعى به حين الكرب والأزمات، فيخرج على نحو غير الذي يُدعى به عادة، ويُترك القلب في هذه الحالة ليطلق عنانه في التضرع والانكسار بين يدي الله دون تقييده بصيغة معينة.

الثاني، وهي الحاجات والغايات الدنيوية والأخروية، ومن الإلحاح أن تُدعى يومياً، والجزء الأهم منه في الفرائض في السجود، أو بعد التشهد وقبل السلام، {وهو جزء مختصر يُقال مهما ضاق الوقت}، والدعاء كاملاً وقت السَحَر.

وأفضل الدعاء ما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والدعاء بغير الوارد لا حرج فيه، وليتحرّ الداعي مواطن خشوع قلبه فمن يخشع قلبه مثلاً بالدعاء قاعداً ويضيق نفَسَه بالدعاء ساجداً فليدعُ قاعداً.

وحري بالداعي التماس كل موطن لإجابة الدعاء {وإن اقتصر على مختصر دعائه الطويل}، كحين نزول الغيث، وبين الأذان والإقامة، وعند سماع صياح الديكة، ودبر الصلوات المكتوبات، وفي السجود، وفي ثلث الليل الآخر وغير ذلك، وإن تعذر عليه رفع اليدين والتلفظ بالدعاء لكثرة الناس حوله مثلاً فليدعُ ربه بقلبه.

وحري به أن يشمل بدعائه أهله ومن يُحبُه وأحبَه ومن له فضل عليه، والمسلمين الأحياء منهم والأموات.

ويكفينا فضلاً :
- أن الدعاء عبادة يؤجر عليها الداعي، قال صلى الله عليه وسلم : {الدعاء هو العبادة}.

- وأن كل دعاء مستجاب، قال صلى الله عليه وسلم : {ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ". قالوا : إذن نكثر. قال : " الله أكثر} رواه أحمد.

وأرى أنه يحلو بالداعي التزامه هذه الأدعية :

الأول، اللهم إنا نسألك رضاك والفردوس الأعلى بدون حساب ولا سابقة عذاب.
وباعثه قوله صلى الله عليه وسلم : {إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة. يقولون : لبيك ربنا وسعديك. فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا : يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً }. رواه البخاري.

وقوله عليه الصلاة والسلام : {فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة}. رواه البخاري.

وقوله صلى الله عليه وسلم : {يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب}، رواه مسلم، وقوله عليه الصلاة والسلام : {من نوقش الحساب عُذِّبَ} رواه البخاري.

ويُقصد بسابقة العذاب كل عذاب نفسي ومادي من حين الموت إلى دخول الجنة جعلنا الله من أهلها، وباعثه قوله صلى الله عليه وسلم : {اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر}.

الثاني، ما علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : {اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم} رواه ابن ماجه.

الثالث، اللهم إنّا نسألك أن تتولانا وأن تصطفينا، وأن تصطنعنا لنفسك وعلى عينك، وأن تجتبينا.

وباعثه الآيات :

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} [البقرة : 257]

{يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [الأعراف : 144]

{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه : 41]

{وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي} [طه : 39]

{وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف : 6].

الرابع، اللهم اجعل هداية خلقك على أيدينا، في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، واجعل هداية الخلق من بعدهم على أيديهم إلى يوم القيامة.

وباعثه قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي رضي الله عنه : {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم} رواه البخاري.

وقوله عليه الصلاة والسلام :{إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له}.

الخامس، اللهم اجعل قضاء حوائج خلقك وجبر خواطرهم على أيدينا.

وباعثه قوله صلى الله عليه وسلم : {ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة}.

السادس، اللهم اجعلنا خدمة لدينك واجعلنا من العلماء العاملين معلمي الناس الخير.

وباعثه قوله صلى الله عليه وسلم {من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر} رواه الترمذي.

والحذر من :
- أكل المال الحرام، إذ هو من موانع إجابة الدعاء، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم {ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك}. رواه مسلم.
- سوء الأدب مع الله تعالى، كالظن أن الله عز وجل ملزم بإجابة الدعاء.
- ترك الأخذ بالأسباب، كمن يدعو الله بسعة الرزق وهو لا يعمل ولا يبحث عن عمل.
- ملّ الدعاء فيتركه، قال صلى الله عليه وسلم : {لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل ". قيل : يا رسول الله، ما الاستعجال ؟ قال : " يقول : قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي. فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء} رواه مسلم.
- التعدي في الدعاء {كدعائه على غيره بغير حق}، والدعاء على النفس أو على الأولاد أو على المال، قال صلى الله عليه وسلم : {لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم ؛ لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم}.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2020/04/17

المفتي


قسم الإفتاء

قسم الإفتاء

المحتوى الخاص به