بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :
لابد من مقدمة يتضح من خلالها المقصود بالآيتين الكريمتين وهما : قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) وقوله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) مقدمة : قبل الجواب على هذا السؤال لابد من توضيح قاعدة لغوية قرآنية وهي : ( استخدام أسلوب الخبر الغرض منه الطلب ، والطلب إما أن يكون طلب فعل كالأمر ، أو طلب ترك كالنهي) .
وأضرب على ذلك ببعض الأمثلة القرآنية : 1- قوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) ففي قوله تعالى : (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) خبر يراد به إنشاء النهي أي تحريم الاعتداء على من دخل مكة المكرمة و حاول زعزعة الأمن فيها ، ولا يعني ذلك أن الله تعالى يخبرنا أنه يستحيل وقوع ذلك فيها . 2- قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228] أي: على المطلقات أن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثةَ قروءٍ بدون نكاح، فهو خبر المقصود منه الإنشاء وهو الأمر بذلك .
3- قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233] أي: على الأم المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأبو الرَّضيع إتمام الرضاعة ، فالآية جاءت بصيغة الخبر، ومعناه الأمر؛ فمعنى: ﴿ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ ليرضعن ، أي: عليهن إرضاع أولادهن . وعلى هذا المنوال جاء قوله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) فالآية خبر بمعنى الطلب ، أي زوّجوا الطيبات للطيبين وليس للخبيثين ، ولا يليق بالخبيثة إلا خبيث مثلها، ولا ينبغي للخبيثين أن يكونوا إلا للخبيثات ، وهكذا ومن رضي بالخبيثة مع علمه بحالها: فهو خبيث مثلها، ومن رضيت بخبيث مع علمها بحاله: فهي خبيثة مثله ، وكذلك لا يليق بالطيب أن يتزوج إلا طيبة مثله، وهذا كما يقال إن الطيور على أشكالها تقع ، وهذا على الغالب ، وقد يحدث أن طيباً تزوج خبيثة وهو لا يعلم بها ، أو طيبة تزوجت خبيثاً وهي لا تعلم به .
وكذلك قوله تعالى : {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) المقصود من هذه الآية هو التشريع دون الإخبار لأن الله تعالى قال في آخرها : ( وحرم ذلك على المؤمنين}. فالآية جاءت بأسلوب الخبرٌ يقصد به الزجر والتقبيح أي إن الزاني لا يطأ إلا زانية مثله أو مشركة ، وكذلك الزانية لا يطؤها إلا زان مثلها أو مشرك .
والله تعالى أعلم |