الفقه الإسلامي - القرآن الكريم - علوم القرآن و أحكام المصاحف - علوم القرآن
رقم الفتوى 12384
نص السؤال مختصر

قال تعالى : {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، غير أننا نجد في الحياة الكثير من النساء الصالحات بعد أن يتزوجن يكتشفن أن أزواجهن كانوا من الزناة، أو ياتي عليهم وقت بعد الزواج يمارس فيه الزوج الزنا أو العكس فما تفسير ذلك ؟
أيضا ينطبق هذا الكلام على قوله تعالى :
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}، مع أن أحد الطرفين يكون صالحاً ونجد الطرف الآخر خبيثاً، فما قولكم ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

لابد من مقدمة يتضح من خلالها المقصود بالآيتين الكريمتين وهما :
قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )
وقوله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )
مقدمة :
قبل الجواب على هذا السؤال لابد من توضيح قاعدة لغوية قرآنية وهي :
( استخدام أسلوب الخبر الغرض منه الطلب ، والطلب إما أن يكون طلب فعل كالأمر ، أو طلب ترك كالنهي) .

وأضرب على ذلك ببعض الأمثلة القرآنية :
1- قوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )
ففي قوله تعالى : (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) خبر يراد به إنشاء النهي أي تحريم الاعتداء على من دخل مكة المكرمة و حاول زعزعة الأمن فيها ، ولا يعني ذلك أن الله تعالى يخبرنا أنه يستحيل وقوع ذلك فيها .
2- قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]
أي: على المطلقات أن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثةَ قروءٍ بدون نكاح، فهو خبر المقصود منه الإنشاء وهو الأمر بذلك .

3- قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]
أي: على الأم المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأبو الرَّضيع إتمام الرضاعة ، فالآية جاءت بصيغة الخبر، ومعناه الأمر؛ فمعنى: ﴿ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ ليرضعن ، أي: عليهن إرضاع أولادهن .
وعلى هذا المنوال جاء قوله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) فالآية خبر بمعنى الطلب ، أي زوّجوا الطيبات للطيبين وليس للخبيثين ، ولا يليق بالخبيثة إلا خبيث مثلها، ولا ينبغي للخبيثين أن يكونوا إلا للخبيثات ، وهكذا ومن رضي بالخبيثة مع علمه بحالها: فهو خبيث مثلها، ومن رضيت بخبيث مع علمها بحاله: فهي خبيثة مثله ، وكذلك لا يليق بالطيب أن يتزوج إلا طيبة مثله، وهذا كما يقال إن الطيور على أشكالها تقع ، وهذا على الغالب ، وقد يحدث أن طيباً تزوج خبيثة وهو لا يعلم بها ، أو طيبة تزوجت خبيثاً وهي لا تعلم به .

وكذلك قوله تعالى : {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )
المقصود من هذه الآية هو التشريع دون الإخبار لأن الله تعالى قال في آخرها : ( وحرم ذلك على المؤمنين}.
فالآية جاءت بأسلوب الخبرٌ يقصد به الزجر والتقبيح أي إن الزاني لا يطأ إلا زانية مثله أو مشركة ، وكذلك الزانية لا يطؤها إلا زان مثلها أو مشرك .

والله تعالى أعلم 

تاريخ النشر بالميلادي 2020/03/13

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به