الحديث الشريف - الحديث - علوم الحديث المختلفة - مصطلح الحديث و غيره
رقم الفتوى 12228
نص السؤال مختصر

هل بلغت أحاديث عذاب القبر حدّ التواتر ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فالمقرون من السلف والخلف بكون أحاديث عذاب القبر ونعيمه قد بلغت حد التواتر كثر جداً.
قال الإمام الغزالي رحمه الله {المتوفى 505 هجري} في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد : [وأما عذاب القبر فقد دلت عليه قواطع الشرع إذ تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم بالاستعاذة منه في الأدعية واشتهر قوله عند المرور بقبرين: إنهما ليعذبان ودل عليه قوله تعالى " وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً " الآية، وهو ممكن، فيجب التصديق به. ووجه إمكانه ظاهر] انتهى.

وقد عقد السيوطي رحمه الله {المتوفى 911 هجري} في كتابه شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور باباً سماه {باب فتنة القبر وسؤال الملكين} فقال : [قد تواترت الأحاديث بذلك مؤكدة من رواية أنس والبراء وتميم الداري وبشير بن الكمال وثوبان وجابر بن عبد الله وعبد الله بن رواحة وعبادة بن الصامت وحذيفة وضمرة بن حبيب وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي رافع وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وأبي هريرة وأبي موسى وأسماء وعائشة رضي الله عنهم أجمعين
1 - أخرج الشيخان وغيرهما من طريق قتادة عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه يسمع قرع نعالهم قال يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل وعند ابن مردويه ما كنت تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم الذي يقال له محمد قال فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعاً قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً ، وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطراق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ] انتهى. ثم ذكر بعد هذا الحديث نصوصاً عدة في إثبات عذاب القبر.

وقال العلامة المحدث محمد أنور شاه الكشميري رحمه الله {المتوفى 1031 هجري} في كتابه فيض الباري وهو يشرح معنى ما عُلم من الدين بالضرورة :

[والمراد من الضرورة ما يُعرف كونُهَا من دين النبي صلى الله عليه وسلّم بلا دليل. بأن تواتر عنه واستفاض، حتى وصل إلى دائرة العوامّ وعلمَهُ الكوافّ منهم، لا أن كلًا منهم يعلمه، وإن لم يَرْفَع لتعليم الدِّينِ رأساً ، فإن جهلَه لعدمِ رغبتِهِ في تعليم الدين، وعلمته العامَّة، فهو ضروريٌّ كالواحدانية، والنبوة، وختمَهَا بخاتم الأنبياء، وانقطاعها بعده، والبعث والجَزَاء، وعذاب القبر سُمِّي ضرورياً لأن كلَّ واحدٍ يعلم أن هذا الأمر مثلاً من الدين.

وإن كانت متوقفةً في نفسها على النظر والاستدلال، كالتوحيد، والنبوة، والبعث والجزاء، فإن كلَّ واحد منها وإن كان نظرياً في نفسه، لكن كونه من دينه صلى الله عليه وسلّم معلومٌ بالضرورة.]
ثم قال [فالضرورةُ في الثبوت عن حضرة الرسالة وفي كونه من الدين، لا من حيث العمل، ولا من حيث الحكم المتضمن، لأن الحديث قد يكون متواتراً ، ويُعلم ثبوته عنه صلى الله عليه وسلّم ضرورة، ويكون الحكم المتضمن فيه نظرياً من حيث العقل، كحديث عذاب القبر ، ثبوته عنه صلى الله عليه وسلّم مستفيض، وفهم كيفية العذاب مشكل . وليُعلم أن الإيمانَ هو التصديق بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإن لم يكن متواتراً ، والتزامُ أحكامِهِ، والتبرؤُ من كل دين سواه.] انتهى.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/12/24

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به