العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 12176
نص السؤال مختصر

هل صحيح أن والدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم في النار؟

نص السؤال الكامل

ماذا نجيب في حال السؤال عن والد ووالدة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن دينهما وماذا كانو يتعبدون وهل صحيح حديث النبي لأحد الصحابة أنه قال والدك ووالدي في النار لم استطع استيعاب أن يكون من أنجب سيد الأنبياء من أهل النار فقلت لهم هما من أهل الفترة ولايمكن أن يبعث الله نبي من أم وأب في النار ما أحببت أبداً أن يقال عن والد ووالدة سيدي محمد أنهما في النار وقالو لي إن الرسول طلب من الله الاستفغار لوالديه لكن الله لم يرض ، هذا الكلام من قلبي لم أتقبله أبداً لأن الله يحب سيدنا محمداً ولكن ليس عندي القدرة على الرد في موضوع كهذا أعلم أنها أموراً قد تكون لايصح الكلام بها لكن يجب أن أعرفها لأعرف كيف أرد على هكذا سؤال من فضلكم

الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

1- المسألة خلافية بين العلماء ، وينبغي ألا نجعل من هذه المسألة قضية تؤدي الى الكراهية والفرقة ، ولا يليق أن نتهم من يخالفنا في الوجهة العلمية بأوصاف غير لائقة ، فهي محل بحث خاض فيها كبار علماء الأمة وتعددت وجهات نظرهم .

2- وهناك أدب رفيع ينبغي أن يلتزم به كل مسلم ، وهو رعاية الأدب تجاه الجناب المحمدي ، والأولى البعد عن الخوض في هذه القضية ، وعدم الإصرار أو القطع بعدم نجاة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقلّ الواجب التوقف وتفويض الأمر لله تعالى .
قال الإمام القسطلَّاني الشافعي في "المواهب اللَّدُنِّيَّة" (1/ 348):
[والحَذَرَ الحَذَرَ مِن ذِكْرِهِمَا بما فيه نَقص، فإنَّ ذلك قد يُؤذِي النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن العُرف جَارٍ بأنه إذا ذُكِرَ أبو الشَّخص بما يُنقِصُه أو وَصْفٍ وُصِفَ به وذلك الوَصْفُ فيه نَقصٌ تَأَذَّى وَلَدُه بِذِكْرِ ذلك له عند المُخَاطَبَة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تُؤذُوا الأحياءَ بِسَبِّ الأموات» رواه الطبراني في الصغير، ولا رَيبَ أنَّ أذَاه عليه السلامُ كُفرٌ يُقتَلُ فاعِلُهُ إن لم يَتُبْ عِندنا] .
3- وأكثر العلماء أجابوا عن الحديث الوارد في ذلك إجابات علمية مؤصلة ، وبينوا معارضة هذا الحديث للنصوص القطعية في القرآن الكريم بأن أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة فإنهم لا يُعذبون .

وأجابوا عن حديث أنس رضي الله عنه الذي رواه مسلم : أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : "في النار " ، فلما قفى دعاه ، فقال : " إن أبي وأباك في النار" .

بأن الحديث إذا كان ثابتا من جهة السند فقد عارضه أدلة كثيرة قطعية تفيد أن الله لا يعذب أهل الفترة ممن لم يأتهم نذير ، وأن العذاب مرهون بمن بلغتهم الدعوة فكذبوا بها ولم يتبعوا المرسلين ، وقد استدل هؤلاء العلماء بأدلة كثيرة منها :

أ- قوله تعالى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {سورة الإسراء15}.

ب- وقوله تعالى : رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. { سورة النساء165}

ج- وقوله تعالى : وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ.{ سورة الزمر71}

د- وقوله : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى {سورة طـه134}

وقد رجح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله هذه الأدلة القرآنية لأنها قطعية ، فتقدم على ما عارضها من أحاديث الأحاد.

وقد استدل على أن قريشاً لم يأتهم نذير بعدة أدلة منها :

قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْماً ما أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. {سورة يــس6}

وقوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْماً ما أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.{ سورة السجدة3}

4- وأما الحديث الذي رواه مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:” استأذنْتُ ربِّي أن أستغفر لأمِّي فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزورَ قبرها فأذن لي”
فقد أجاب عنه العلماء عدة إجابات منها :
أ- أنه حديث منسوخ
قال الإمام القُرطُبِي فيما نَقَلَه عنه الحافظ السيوطي في "الحاوي" (2/ 218):
[لا تَعارُضَ بين حديثِ الإحياء وحديثِ النَّهيِ عن الاستِغفار؛ فإنَّ إحياءَهُما مُتَأَخِّرٌ عن النَّهيِ عن الاستِغفار لهما؛ بدَليل حديث عائشة أنَّ ذلك كان في حجة الوَداع؛ ولذلك جَعلَه ابنُ شاهين ناسِخاً لِمَا ذُكِرَ مِن الأخبار]

ب- أنهم يُمتحنون يوم القيامة :
ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" روايات كثيرة رواها البيهقي في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لقبر أمه ثم قال :

[ قلت: وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد عنه من عدة طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة، كما بسطناه سنداً ومتناً من تفسيرنا عند قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) [ الاسراء: 15].

فيكون فيهم من يجيب ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة.]

والله تعالى أعلم 

تاريخ النشر بالميلادي 2019/12/11

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به