العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 12167
نص السؤال مختصر

كيف يدعو الإسلام للعدل ويبيح للزوج ضرب زوجته ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

أولاً، مما لا شك فيه أن الإسلام يدعو لأحسن الأخلاق، وفي الحديث الصحيح يصف أخو أبي ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم : {رأيته يأمر بمكارم الأخلاق}، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه : {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق}.

ثانياً، دعوة الإسلام لمكارم الأخلاق يلزم منه نهيه عن سيئها، ونصوص الوحي في ذلك كثيرة وصريحة، فالإسلام ينهى عن الظلم والعدوان بكل حال، قال تعالى :{وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة : 190]، وقال صلى الله عليه وسلم : {الظلم ظلمات يوم القيامة}، وظلم القريب هو أشد وأكبر من ظلم الغريب، لأن القريب له حق القرابة وحق الإسلام، بينما الغريب ليس له إلا حق الأخوة في الدين، فكيف إن كان المظلوم زوجته والتي من شدة قربها منه وقربه منها وصفهما تعالى بأنهما كاللباس لبعضهما البعض! وفي ذلك يقول الدكتور عويض العطوي : [تأمل قوله تعالى :{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} البقرة /187 وما فيها من تربية الذوق والأدب في الكلام، إضافة إلى ما في اللباس من دلالة {الستر، والحماية، والجمال، والقرب} وهل أحد الزوجين للآخر إلا كذلك؟ وإن كانت المرأة في ذلك أظهر أثراً كما يشير إلى ذلك البدء بضميرها {هُنَّ}.]

ثالثاً، الرسول الذي بلغ قوله تعالى : {وَاضْرِبُوهُنَّ} هو الذي عامل زوجاته أفضل ما يمكن لزوج أن يعامل به زوجته، قال صلى الله عليه وسلم : {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي}.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو خير من فهم القرآن وعمل به، وقد سأل أحد الصحابة عائشة أم المؤمنين فقال لها : {أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى. قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن}.

وقوله تعالى :{وَاضْرِبُوهُنَّ} من القرآن، لكن أم المؤمين عائشة تقول : {ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله}.
والمسلم مأمور باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى :{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21].

رابعاً، شُرع ضرب الزوجة لحالة استثنائية وبضوابط يحرم تعديها :
فيباح لنشوز الزوجة، وهو باختصار ما يسبب دمار الأسرة عاجلاً أو آجلاً {كامتناعها عنه وخروجها دون إذنه}.

والصحيح والذي عليه الجمهور أن جواز الضرب مقيد بترتيب الآية في قوله تعالى :{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء : 34]
فله الوعظ فإن لم ينفع فالهجر فإن لم ينفع فالضرب.

وضوابطه، ما جاء في الموسوعة الكويتية :
[اشترط الفقهاء في ضرب التأديب المشروع إن نشزت الزوجة : أن يكون الضرب غير مدم ولا مبرح ولا شائن ولا مخوف، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها، لأن المقصود منه الصلاح لا غير.

وقالوا: الضرب المبرح هو ما يعظم ألمه عرفاً، أو ما يخشى منه تلف نفس أو عضو، أو ما يورث شيئاً فاحشاً، أو الشديد، أو المؤثر الشاق.] انتهى.

ويحرم شتمها وضربها على وجهها أو في مكان تتضرر به، كما يحرم ضربها إن تيقن أن ذلك لا يفيد، لأنه شُرع لتحقيق غاية فإن أيقن تعذر الوصول إليها من خلال هذه الوسيلة فلا يجوز ضربها إذ يصبح عبثاً وتشفياً.

خامساً، سوء تطبيق الحكم من بعض الأزواج لا علاقة له بالشريعة، قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب : 58]
نسأل الله أن يصلح بيوت المسلمين.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/12/10

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به