العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 12147
نص السؤال مختصر

كيف نفهم صفة العلو لله عزّ وجلّ ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فلعله من أحسن ما كُتب في هذه المسألة ما كتبه المحقق عماد الدين الواسطي رحمه الله المتوفى سنة 711 هجري، وهو سلفي العقيدة، صوفي السلوك، شافعي المذهب، إذ قال في كتابه - النصيحة في صفات الرب جلً وعلا - :
[مسألة العلو وهو أن الله عزّ وجلّ كان ولا مكان ولا عرش ولا ماء ولا فضاء ولا هواء ولا خلاء ولا ملاء وأنه كان منفرداً في قدمه وأزليته متوحداً في فردانيته سبحانه وتعالى في تلك الفردانية لا يُوصف بأنه فوق كذا إذ لا شيء غيره :

هو سابق التحت والفوق اللذين هما جهتا العالم وهما لازمان له، والرب تعالى في تلك الفردانية منزه عن لوازم الحدوث، فلما اقتضت الإرادة المقدسة بخلق الأكوان المحدثة المخلوقة المحدودة ذوات الجهات اقتضت الإرادة أن يكون الكون له جهات من العلو والسفل، وهو سبحانه منزه عن صفات الحدوث فكوّن الأكوان وجعل لها جهتي العلو والسفل واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الكون في جهة التحت لكونه مربوباً مخلوقاً واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون المحدث لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت، والرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته وفردانيته لم يحدث له في ذاته ولا في صفاته ما لم يكن في قدمه وأزليته، فهو الآن كما كان لكن لما أحدث المربوب المخلوق ذا الجهات والحدود والخلاء والملاء والفوقية والتحتية كان مقتضى حكم العظمة للربوبية أن يكون فوق ملكه وأن تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون فإذا أشير إليه بشيء يستحيل أن يشار إليه من الجهة التحتية أو من جهة اليمنة أو اليسرة بل لا يليق أن يُشار إليه إلا من جهة العلو والفوقية، ثم الإشارة هي بحسب الكون وحدوثه وأسفله، فالاشارة تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة وتقع على عظمة الرب وتعالى كما يليق به لا كما يقع على الحقيقة المعتدلة عندنا في أعلى جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم، وتلك إشارة إلى إثبات،.

إذا علم ذلك فالاستواء صفة له كانت في قدمه لكن لم يظهر حكمها إلا عند خلق العرش، كما أن الحساب صفة قديمة له لا يظهر حكمها إلا في الآخرة، وكذلك التجلي في الآخرة لا يظهر حكمه إلا في محله، فإذا علم ذلك فالأمر الذي يهرب المتأولون منه حيث أولوا الفوقية بفوقية المرتبة والاستواء بالاستيلاء فنحن أشد الناس هرباً من ذلك وتنزيهاً للباري سبحانه وتعالى عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره بل بحد تتميز به عظمة ذاته عن مخلوقاته والإشارة إلى الجهة إنما هو بحسب الكون وأسفله إذ لا يمكن الإشارة إليه إلا هكذا وهو في قدمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث وليس في القدم فوقية ولا تحتية وإن من هو محصور في التحت لا يمكنه معرفة بارئه إلا من فوقه فتقع الاشارة إلى العرش حقيقة إشارة معقولة وتنتهي الجهات عند العرش ويبقى ما وراءه لا يدركه العقل ولا يكيفه الوهم فتقع الإشارة عليه كما يليق به مجملاً مثبتاً لا مكيفاً ولا ممثلاً] انتهى.
وفيما شرحه الواسطي رحمه الله كفاية.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/12/09

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به