العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 12115
نص السؤال مختصر

 أين الله تعالى؟ وهل صحيح أنه سبحانه في كل مكان؟ وهل السماء هي اللون الأزرق الذي يعلونا ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

أولاً: هذا القول باطل بالإجماع، و يلزم منه أن يحل الله في مخلوقاته، وفي الأماكن القذرة وغير ذلك، وهو قول محرم فيمن قاله متأولاً مع اعتقاده تعظيم الله وتنزيهه، وكفر مخرج عن الملة فيمن قاله عالماً بلوازمه قاصداً لها.

قال الإمام الأحمد رحمه الله تعالى في الرد على الجهمية : [قلنا لِمَ أنكرتم أن الله سبحانه على العرش وقد قال سبحانه {الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} [طه : 5]
وقال عز وجل : {ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان : 59] ؟
قالوا : هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش فهو على العرش وفي السموات وفي الأرض وفي كل مكان لا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان وتَلَوْا من القرآن : {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام : 3]
فقلنا : عَرَفَ المسلمون أماكنَ ليس فيها من عِظَمِ الرَّبَِ شيء.
قالوا : أي مكان؟
فقلنا : أحشاءكم وأجوافَكم وأجوافَ الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عِظَمِ الرب سبحانه وتعالى شيء.] انتهى.

نقل ابن تيمية رحمه الله هذا النص ثم عقّب بقوله :[ فهذا الذي ذكره الإمام أحمد مُتضمِّن إجماع المسلمين ويتضمن أن ذلك من المعروف في فِطرتهم التي فُطروا عليها، وذَكَرَ الأحشاش والأجواف لأنَّ علم المسلمين بذلك ببديهة حسهم وعقلهم، ولأن في ذلك ما يجب تنزيه الرب عنه إذ كان من أعظم كفر النصارى دعواهم ذلك في واحد من البشر فكيف من يدعيه في البشر كلهم، وكذلك ما ذَكَرَهُ من أجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة فإنَّ هذا كما تقدم مما يعلم بالضرورة العقلية الفطرية أنه يجب تنزيه الرب وتقديسه أن يكون فيها أو ملاصقاً لها أو مماسّاً فما وجب إثباته للعباد من صفات المدح والحمد والكمال فالرَّبُّ أولى بذلك وما وَجَبَ تنزيه العباد عنه من النقص والعيب والذم فالرب سبحانه أحق بتنزيهه وتقديسه عن العيوب والنقائص من الخلق] انتهى من بيان تلبيس الجهمية.

ثانياً: الله عز وجل في السماء مستو على عرشه، وقد رد الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله على قول من قال بأن الله في كل مكان، ثم عقبه بالتصريح بأن الله عز وجل في السماء مستو على عرشه ثم راح يستدل لقوله، ومما قال : قال الله تعالى :(يخافون ربهم من فوقهم) من الآية (50 /16) ، وقال تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) من الآية (4 /70) ، وقال تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) من الآية (11 /41) ، وقال تعالى: (ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً) من الآية (59 /25) ، وقال تعالى: (ثم استوى على العرش مالكم من ولي ولا شفيع) (4 /32) ، فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته، مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد] انتهى من الإبانة.

ثالثاً: في اللغة السماء من كل شيء : أعلاه، وقد ورد لفظ السماء في نصوص الوحي بمعان عدة، منها الغيم،قال تعالى :{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف : 96].
وبمعنى المطر، قال تعالى :{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} [نوح : 11]

وقد يختلف المفسرون في تفسير لفظ السماء لاحتمالها أكثر من معنى بحسب السياق.

أما القول بأن الله في السماء، فيقصد به العلو، والنصوص في ذلك كثيرة،وقد أورد بعضها أبو الحسن الأشعري فيما سبق نقله عنه، ونزيد بما جاء في صحيح مسلم من أنه صلى الله عليه وسلم سأل جارية فقال لها : " أين الله ؟ " قالت : في السماء. قال صلى الله عليه وسلم : " من أنا ؟ " قالت : أنت رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام لسيدها : " أعتقها، فإنها مؤمنة.

وتأتي بمعنى البناء، ويقصد بها السماوات السبع وهي بناء متين محكم، وليست الغلاف الجوي الذي نراه أزرق اللون فوق رؤوسنا، ومن أدلة ذلك حديث المعراج، وهو حديث طويل، ومما جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم : فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك ؟ قال : محمد. قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم. قيل : مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم} إلى آخر الحديث.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/12/04

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به