الفقه الإسلامي - نظام العقوبات ، الجهاد ، نظام الحكم - الحدود و الجنايات - أحكام الحدود و الجنايات
رقم الفتوى 12022
نص السؤال مختصر

حكم من وجد زوجته تزني، فقتلها والرجل ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

1- قبل أن أذكر الحكم المترتب على من قتل زوجته في حالة الزنى والشخص الذي معها لابد من بيان الحكم الشرعي في دعوى الرجل زنى زوجته والعياذ بالله وهو : أنه لابد أن يأتيَ الرجل بأربعةِ شهداءَ، وهي البينة الشرعية إذا أراد أن يثبتَ واقعة الزنا على زوجته، ولا يجوز أن يأتيَ بأقلَّ من أربعة شهداء، فإذا أتى بأربعة شهداء، أو اعترفت الزوجة بواقعة الزنا طُبِّق الحد عليها، وخلاف ذلك يدرأ عنها العذاب، ويُعاقب الزوجُ الذي ليست له بينة في اتهامه لزوجته بأن يُجلدَ ثمانين جلدةً، وهو حدّ قذف المحصنات، وقد نصّ الله عزّ وجلّ على وجوب الإتيان بأربعة شهداء في كتابه العزيز حينما قال عزّ من قائلٍ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وأمّا من لم يستطع الإتيان بأربعة شهداء يشهدون أنّ زوجته قد فعلت الزنا فقد جعل الله له، ولغيره من الرجال مخرجاً، حينما شرع سبحانه الملاعنةَ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ .فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ ؟!فَجَعَلَ يَقُولُ الْبَيِّنَةَ ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ !!فقَالَ هِلَالٌ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ .فَنَزَلَ جِبْرِيلُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ .......فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ )
وعند ذلك يذهب الزوج إلى القاضي، فيشهد بالله أربعَ شهادات أنّه صادق في اتهامه لزوجته بالزنا، ثمّ يقول في الخامسة إنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وفي المقابل يدرأ القاضي عن الزوجة العذاب والحدَّ إذا قابلت شهادة زوجها بأن تشهدَ أربعَ شهادات بالله أنّ زوجها من الكاذبين، وفي الخامسة تقول إنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فإذا تمّت الملاعنة وفق هذه الصيغة بانت الزوجة من زوجها، فلا تحلّ له من بعد.

2- وأما الحكم الشرعي المترتب على من قتل زوجته والشخص الذي زنى بها ففيه تفصيل :
أ- إن تملكه الغضب فقتلها ، وقتل الزاني بها وكان الزاني محصناً - أي متزوجاً - ؛ فإن كان معه أربعة شهود يشهدون على فعلهما للزنا ، أو شهد ورثة القتيل بذلك : فلا شيء عليه من قصاص أو دية , ويؤيد ذلك " مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (رضي الله عنه) أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا ، فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ، فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلٍ وَلَا دِيَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَتَغَدَّى ، إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَعْدُو ، وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، وَوَرَاءَهُ قَوْمٌ يَعْدُونَ خَلْفَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ عُمَرَ ، فَجَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي ضَرَبْتُ فَخِذَيْ امْرَأَتِي ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلْته، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ ، فَوَقَعَ فِي وَسَطِ الرَّجُلِ وَفَخِذَيْ الْمَرْأَةِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَهَزَّهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ: إنْ عَادُوا فَعُدْ . رَوَاهُ سَعِيدٌ . وَلِأَنَّ الْخَصْمَ اعْتَرَفَ بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ، فَسَقَطَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا ، أَوْ فِي حَدٍّ يُوجِبُ قَتْلَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ بَيِّنَة : فَكَذَلِكَ "

ب- وأما إذا لم يأت الزوج بأربعة شهود ، ولم يشهد ورثة القتيل بذلك ، أو كان الزاني غير محصن : فعندها يقتل الزوج قصاصًا إلا إذا عفا أولياء الدم أو قبلوا بالدية .

قال الإمام الشّافعي في الحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: ( نَعَمْ ).  : «وبهذا نقول؛ فإذا وجد الرّجلُ مع امرأته رجلاً فادّعى أنّه ينال منها ما يوجب الحدَّ وهما ثيّبان معاً فقتَلَهما ، أو أحدَهما لم يصدّق وكان عليه القوَدُ أيَّهما قتل إلا أن يشاء أولياؤُه أخذَ الدّيةِ أوالعفو ، ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل قتلُ الرّجلِ وامرأتِه إذا كانا ثيّبين وعلم أنّه قد نال منها ما يوجب القتل، ولا يصدّق بقوله فيما يسقط عنه القود ) .

3- وهل يختلف حكمه عند الله.وحكمه عند القاضي أو ولي الأمر ؟
نعم يختلف الحكم فيما بينه وبين الله تعالى ، فطالما أن الزنا لم يثبت بشروطه وقتل الزاني وكان محصناً أو قتل زوجته فإنه يقام على الزوج القصاص وهذا في الدنيا قضاء
وأما في الآخرة فهو معذور أمام الله تعالى إذا كان متيقناً وصادقاً في دعواه بشرط أن يكون الزاني محصناً
قال الإمام النّوويُّ:
«وقد اختلف العلماء فيمن قتل رجلاً وزعم أنّه وجده قد زنى بامرأته؛ فقال جمهورهم: لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص إلا أن تقوم بذلك بيّنةٌ، أو يعترف به ورثةُ القتيل، والبيّنةُ أربعةٌ من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنى ويكون القتيلُ محصناً، وأمّا فيما بينه وبين الله تعالى فإنْ كان صادقاً فلا شيء عليه وقال بعض أصحابنا: يجب على كلّ من قتل زانياً محصناً القصاصُ ما لم يأمر السلطانُ بقتله. والصوابُ الأوّلُ.» .

والله تعالى أعلم 

تاريخ النشر بالميلادي 2019/11/14

المفتي


د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به