الفقه الإسلامي - نظام العقوبات ، الجهاد ، نظام الحكم - الحدود و الجنايات - أحكام الحدود و الجنايات
رقم الفتوى 11953
نص السؤال مختصر

زنى ويريد أن يقام عليه الحد، ولم يتقبل قول العلماء بالاكتفاء بالتوبة، ما العمل ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
أولاً، نرجو من الأخ السائل أن يقرأ الجواب بأكمله، وبعقله دون عاطفته.

ثانياً، هو أمام خيارين الأول : أن يذهب فيخبر القاضي الشرعي بذلك، والحق أن هذا الخيار يضر و لا ينفع، لأن الأنظمة المطبقة اليوم في العالم الإسلامي إما أنها مطبقة على غير وجهها الشرعي، إذ استبدلوا بالحدود الشرعية أنظمة غربية، وحينئذٍ عقوبته السجن، والسجون اليوم تعود على السجين بأعظم من عقوبته المحددة شرعاً، إذ يتضرر صحياً ونفسياً، ونسبة تعلمه المخدرات والدخان وإدمانه عليهما عالية جداً، بالإضافة إلى خسرانه فترة طويلة من عمره ودمار مستقبله.

وإما أن تكون أنظمة تطبق الحدود كإيران وغيرها ولكنها تسيء تطبيقها.
وفي كلا الحالتين لا ينصح بهذا الخيار في زمننا الحالي مطلقاً.

الخيار الثاني : إصلاح ما أفسده، والإصلاح يكون بحجم الفساد الذي أوقعه، والذي نراه إن كان يملك المال أن ينشئ صدقة جارية يعود نفعها على الغير كما أن ذنبه تعدى للغير.
قال تعالى : {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة : 39]
وإن كان فقيراً فليبذل وقته وجهده في الإصلاح وعمل الخير، ومهما كان اختصاصه ومستوى تعليمه فهو قادر على إيصال الخير للناس وجبر خاطرهم.

وفي كلا الخيارين التوبة واجبة، والإعراض عنها معصية، وفي فضل التوبة والإنابة إلى الله تعالى يقول عز وجل : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان : 70]
قال السعدي في تفسيره :[وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تُبدل حسنات] انتهى.
فأي كرم يغفل العبد عنه!
وينبغي الحذر من كشفه ستر الله عليه وإلا زادت معصيته معصية أخرى، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم :  كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول : يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

ثالثاً، لقد أوقعه الشيطان في المرة الأولى وها هو يريد أن يوقعه ثانياً وذلك بوسوسته له بأن ذنبه لا يغفر إلا بتعذيبه لنفسه، وهو في الحقيقة يريد أن يدمر حاضره ومستقبله، بغية حجبه عن الإسهام في خدمة الدين وأهله.

رابعاً، الإسلام اليوم بحاجته، سواء كان فقيراً أم غنياً، فلا يبخلن بنفسه، فليستر نفسه وليتب لربه وليقبل على الدعوة وقضاء حاجات الناس بكل ما آتاه الله من وقت وقوة وجاه ومال، قال صلى الله عليه وسلم :{ إن قامت الساعة، وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل }.

نسأل الله أن ينزل السكينة على قلبه، وأن يجعله من الصالحين العلماء الموفقين.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/11/04

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به