الفقه الإسلامي - القرآن الكريم - علوم القرآن و أحكام المصاحف - علوم القرآن
رقم الفتوى 11899
نص السؤال مختصر

ما رأيكم في الإعجاز العددي في القرآن الكريم ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فالإعجاز العددي يقصد به الاستدلال على إعجاز كتاب الله تعالى بألفاظ تكررت بعدد معين يتناسب مع لفظها ، أو يساوي عددها مع ما يضادها، مثاله ما استنتجه د. عبد الرزاق نوفل من أن البرد قد تكرر أربع مرات ،قدر ما تكرر الحر - وأن الصيف والحر تكرر خمس مرات، قدر ما تكرر الشتاء والبرد تماماً.

والحق أن أغلب الإحصائيات المقدمة في هذا المجال غير دقيقة، وغير شاملة، وتعتمد على مبدأ اعتقد ثم استدل، وفيها تكلف واضح عند إحصاء لفظ معين، فيعتمد المفرد دون المثنى أو الجمع، ويُدخل لفظة دون أخرى مع اتحاد المعنى الإجمالي لغة وما ذلك إلا للوصول إلى ما يريد الاستدلال به، بل وصل الحال ببعضهم إلى التنبؤ بالغيب وما سيحدث مستقبلاً من حدث معين بوقت معين، بناء على ما ظنوه إشارات قرآنية، بل واستدلوا على صحة معتقدهم بأن الغيب مسطور في القرآن بقوله تعالى : {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء : 12]
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89]


لعمري إن هذا لهو الخطأ المبين! كيف ذاك والله تعالى يقول :{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل : 65]
وقد وقع عدد من مشاهير الدعاة في خطأ النقل عنهم دون التحقق من صحة هذه الإحصائيات، وتناقلها العامة دون أدنى تمحيص.


ثم إن صحّت إحصائية ما فلا تعدو عن أن تكون لطيفة من اللطائف التي تُستخرج من كتاب الله تعالى، ولا يُقال عنها إعجاز إذ ما تحدى الله به أهل الجاهلية أن يأتوا بسورة من مثله ليست الصياغة العددية، ولم يفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا أبو جهل ولا أبو لهب أن المقصود هو الصياغة العددية، ثم إن الإعجاز يقصد به إثبات العجز عن الإتيان بمثله، ولا يتأتى الإتيان بسورة بطول قصار السور فيها إحصائية عددية معينة، فكيف يتحدى الله عز وجل المشركين بما هو مستطاع لكل منهم ؟


فإن علمنا ذلك أيقنّا أنه لا فائدة حقيقة من هذا المجال، ولا يُقال يُثبَّت به إيمان المرء لأنه أمر مستنبط لا يلاحظه كل أحد ولم يرشد إليه تعالى، بينما جعل تعالى الواضحات دليلاً عليه سبحانه ومثبتة لإيمان عباده المسلمين، ومرشدة لغير المؤمنين للحق والرشاد، والواضحات هي كل ما نص عليه سبحانه من القرآن وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كالتفكر في خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان والحيوان والنبات، وتدبر القرآن الذي فيه نبأ من كان قبلنا وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.


وأخطأ البعض فجعل كل همه تتبع هذه الإحصائيات وترك الواجب كتعلم ما يحتاجه من الفقه، بل يكاد لم يقرب علوم القرآن والحديث ثم هو مشتغل بهذه الأمور التي لا تنبني عليها فائدة حقيقية.


نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/10/27

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به