الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - الزكاة - زكاة المال والفطر
رقم الفتوى 11896
نص السؤال مختصر

 ما هو ضابط الإسراف والضرورة في العصر الراهن في الحلي لوجوب الزكاة فيه ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

وضع الفقهاء الأجلاء عدة ضوابط في الحلي لوجوب الزكاة فيه في غاية الدقة ، إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول ، وهي :

1 – إذا كان الحلي أو المصاغ متخذاً من الذهب أو الفضة ، وكان يحرم استعماله ، كالحلي عند الرجال ، كالسوار ، أو الخلخال ، أو الطوق ، أو خاتم الذهب ، وحتى لو كان الحلي النسائي يعده لزوجته في المستقبل ، فتجب فيه الزكاة ريثما تأخذه الزوجة حقيقة .

2 – إذا كان استعمال حلي الذهب أو الفضة مكروهاً ، ولو كان الحلي للنساء ، ولكن حصلت له كراهة في الاستعمال ، فتجب فيه الزكاة.

3 – إذا ملك المسلم – رجلاً أو امرأة – مصاغاً من الذهب أو الفضة ، وكان يعده للقنية والادخار ، فتجب فيه الزكاة ، لأنه مرصد للنماء ، فهو كالنقد غير المصاغ .

4 – إذا كان الذهب أو الفضة مستعملاً في الأواني والصحون والمعالق للأكل والشرب والزينة وغيره ، فتجب فيه الزكاة ، وكذلك الأمر فيما يحلى به المصحف من الذهب للرجل ، وكذا ما كان مكروه الاستعمال كالتضبيب القليل في الإناء للزينة، فتجب فيه الزكاة ، لأن أصله ذهب أو فضة ، مع أن هذا الاستعمال والصناعة غير مباح شرعاً ، فسقط حكم فعله ، وبقي على الأصل ، وأن فيه صفة النماء .

ودليل تحريم الاستعمال ما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ، ولنا في الآخرة " رواه البخاري 5 / 2133 رقم 5110 ، ومسلم 14 / 35 رقم 2067 ، والصحاف : جمع صحفة ، وهي القصعة ، وهي دون القصعة ، ولهم : للكفار ، فالحديث في آنية الذهب والفضة ، ويقاس عليها الاقتناء للزينة ، لأنه يجر إلى الاستعمال، وأنه لم يأذن به ، وأنه يشمل الرجال والنساء ، وروت أم سلمة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم " رواه البخاري 5 / 2133 رقم 5311 ، ومسلم 14 / 30 رقم 2065 ، وابن ماجه 2 / 1130 ، ومالك ، الموطأ ص 576 ، وأحمد 6 / 301 ، ويجرجر : أي يلقيها في بطنه بجرع متتابع يسمع لها صوت لترددها في حلقه ، فهو كصوت الماء في الحلق .

5 – إذا كان الحلي المباح مبالغاً فيه عن العرف والعادة بحسب الزمان والمكان ، وعمر العروس ، وأهلها ، وحالتها الاجتماعية من البكارة والثيبوبة ، وتجب الزكاة فيه ، وكذلك إذا انكسر الحلي المباح بحيث لا يمكن لبسه ، فتجب فيه الزكاة ، لأنه عاد للأصل والادخار ، ويبدأ الحول وقت الانكسار ،  وكذا إذا اتخذ الرجل حلياً ، ولم يقصد استعماله ، بل قصد إجارته لمن له استعماله بلا كراهة ، فلا زكاة فيه في الأصح لانتفاء القصد المحرم والمكروه ، وإن اتخذه اقتناء وكنزاً ، فتجب فيه الزكاة ، ولو قصد باتخاذه مباحاً ثم غيّر قصده إلى محرم ، أو العكس ، تغير الحكم ، ويبتدئ الحول عندئذ 

6 – إذا كان الحلي للادخار والتخزين ،سواء كان للرجل أم للمرأة ، لاقتنائه للمستقبل ، والطوارئ ، والحاجات التي يحسب لها الحساب ، فيجب أداء الزكاة عليه متى بلغ النصاب مع غيره من النقود ، وحال عليه الحول .

7 – أما الحلي المباح للمرأة فلا زكاة فيه ، مثل حلي المرأة من الذهب والفضة إذا كان بحسب المعروف والمألوف ، ولم يبلغ من الكثرة إلى حد الإسراف في عرف الناس الذي يختلف بحسب الزمان والمكان ، ومثله خاتم الفضة للرجل ، وأنف الذهب ، والأنملة من الذهب ، والسن من الذهب ، وحلية الحرب للرجل ، كالسيف والرمح ، وتحلية المصحف بفضة للرجل ، وتحلية المصحف بذهب للمرأة ، ونحوها من المباح فلا تجب فيه الزكاة ، لأنها تحولت إلى مال جامد لا نمو فيه ، واعتبارها حلياً يقضي على صفة النماء ، وصارت للاستعمال المباح ، كثياب البدن ، والأثاث ، وعوامل البقر والإبل ، والفرس ، التي لا زكاة فيها ، ولما روى جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا زكاة في الحلي " ، وفي رواية : " ليس في الحلي زكاة "  رواه الدارقطني مرفوعاً 2 / 107 ، ورواه البيهقي مرفوعاً وموقوفاً 4 / 138 ، ورجح وقفه.

وثبت مثل ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم ، فعن عائشة رضي الله عنها : " أنها كانت تحلي بنات أخيها في حِجرها ، لهن الحلي ، فلا تخرج منه الزكاة "، رواه الإمام مالك ، الموطأ ص 170 ، والبيهقي 4 ، 138 ، وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " كان يحلي بناته وجواريه الذهب ، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة " رواه مالك في الموطأ ص 171 ، والبيهقي 4 / 138 ، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : " أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه ، نحواً من خمسين ألفاً " رواه الدارقطني 2 / 109 ، وأن رجلاً سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن الحلي : أفيه زكاة ؟ فقال جابر : لا ، فقال : وإن يبلغ ألف دينار ؟  فقال جابر : كثير " رواه الشافعي في الأم 2 / 34 ، والبيهقي 4 / 138 .

والله تعالى أعلم 

تاريخ النشر بالميلادي 2019/10/26

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به