بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد : فقد قال صلى الله عليه وسلم :{الرحم معلقة بالعرش، تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله}. وتجب صلة الرحم للوالدين وإن كانا كافرين، وهما مقدمان على غيرهما، قال تعالى :{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان : 15]، وقال عز وجل :{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان : 14] وتجب الصلة على المحارم دون غيرهم على قول بعض العلماء، وضابط الرحم المحرم : هما كل شخصين بينهما قرابة ، لو فرض أحدهما ذكراً والآخر أنثى لم يحل لهما أن يتزوجا، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات. هذا إن كانوا مسلمين، أما إن كانوا غير مسلمين فلا تجب على قول الجمهور، وأرى أنها مستحبة إن كان يرجو إسلامهم.
وتحصل صلة الرحم مع المحارم بالسلام وبذل المال والزيارة والمعونة وقضاء الحاجة وغير ذلك من وجوه الخير. وصلة الرحم اليوم في زمن وسائل التواصل الاجتماعي ميسرة بفضل الله تعالى، فالرسائل النصية والتسجيلات الصوتية والمكالمات تعد صلة ، بل التعليقات على منشوراتهم تعد صلة. ولم ينص الشرع على مدة معينة يعد متجاوزها قاطعاً لرحمه، فيرجع الأمر للعرف، ولقدرة المرء وظروفه. وتحصل قطيعة الرحم المحرمة بالإساءة إليهم أو مقاطعتهم. وصلة الرحم لا تتوقف على صلة القريب لنا، إذ قال صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. ولأن الصلة نوع من الإحسان فالصلة درجات، أدناها السلام والزيارة، وأفضل منها ما يكون بحسب حال ذي الرحم. فالفقير صلته بسداد دينه والتوسعة عليه وقضاء حاجته، قال صلى الله عليه وسلم :{إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة}. والوحيد الكئيب صلته بذل الوقت له وإيناسه وجبر خاطره. والأمثلة في ذلك كثيرة، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران : 134] أما صلة الوالدين فلا تكفي بالسلام والمراسلة بل لا بد من بذل الوسع في إرضائهما، إذ هما وصية الله تعالى للعبد، قال تعالى :{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}. والله تعالى أعلم. |