الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - الزكاة - زكاة المال والفطر
رقم الفتوى 11871
نص السؤال مختصر

ما هي الحقوق الشرعية في مال المسلم ؟ وما هي مكانة الزكاة فيها ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

إن المال من أهم أفضال الله ونعمه على الإنسان ، وهو عصب الحياة ، وشقيق الروح ، وشريان الاقتصاد ، وأحد الضروريات الخمس في الإسلام ، وإن موضوعه محل لنصف الفقه الإسلامي ، انطلاقاً من العبادات والزكاة ، إلى المعاملات والعقود ، إلى نظام الأسرة والأحوال الشخصية ، إلى النفقات ، إلى نظام الحكم والإدارة وميزانية الدولة ، إلى الميراث والتركة .

ويتعلق بالمال حقوق شرعية كثيرة تحتاج لتأليف كتاب ومجلد مما لامجال هنا لعرضها ، ونكتفي بتعداد ما قرره الشرع الحنيف ، منها : وجوب العمل والكسب الحلال لتحصيل المال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " وقوله عليه الصلاة والسلام : " ما من نبي إلا ورعى الغنم ، وإني رعيت الغنم لقريش على قراريط " وقوله : " اليد العليا خير من اليد السفلى " ، وحذر من الكسل والخمول ، واستعاذ بالله تعالى من الفقر ، ومنها : الإنفاق على النفس " ابدأ بنفسك " ، وأوجب الشرع الإنفاق على الزوجة ، والأولاد ، والوالدين ، وحتى على الحيوان الذي يحبسه ، والنبات والشجر والزروع التي يتعهدها ، وأضافت المذاهب الأخرى وجوب الإنفاق على الإخوة والأخوات وسائر العصبات من الأقارب ، ومنها : التصدق وزكاة الفطر حتى من الفقراء والمساكين ، ومنها : حفظ المال وادخاره ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " نعم المال الصالح للرجل الصالح " ، وحرم الشرع إضاعة المال لقوله عليه الصلاة والسلام : " إن الله كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " وحرم التبذير بالمال بنصوص القرآن الكريم ، وحرم التقتير والبخل وذمّه ، وأوجب الزكاة على الأغنياء ، وكلف المسلم المساهمة في مشاريع الأمة ودفع الضرائب ، ثم أوجب استثمار المال بالطرق المشروعة ، وجعل الله المال أهم وسائل الوقف في أعمال الخير ، وقد لعب الوقف دوراً عظيماً في التاريخ الإسلامي ، وكان ينافس ويفوق أعمال بيت المال في أعمال الخير والتعليم والتكافل الاجتماعي ، ولا يزال أثره بارزاً في الحياة المعاصرة ، وواكب الصحوة الإسلامية المعاصرة في أعمال البر ، وكان للمال  تأثير كبير وغير محدود في الجهاد والدعوة الإسلامية استجابة لتوجيهات القرآن الكريم في طلب الجهاد بالمال " جاهدوا بأموالكم وأنفسكم " في آيات  عديدة ، ومما يلفت النظر أنه في جميع الآيات قدم القرآن الكريم المال على النفس ، إلا في آية واحدة في سورة التوبة في قوله تعالى : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم " التوبة / 111 ، ورافق فضل المال نشر الإسلام منذ أول الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة في المؤاخاة ، ثم في تجهيز الغزوات والسرايا ، وفيما بعد في الفتوحات الإسلامية بما لا يوصف ، ثم تأتي الوصية لأعمال الخير بالتبرع بالمال فيما بعد الموت ، وأخيراً يتم توفير المال الطيب الحلال للورثة ، لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم فقراء يتكففون أيدي الناس " .

أما مكانة الزكاة فحدث ولا حرج ، وأقول فيها باختصار : إنها إحدى معجزات الإسلام ، في وجوبها وفرضها ، وفي مقدارها ، وفي بيان الجهات لصرفها وتوزيعها ، وحصرها على الأغنياء بخلاف الضرائب اليوم التي يتحمل الفقراء جانباً منها ، وكثيراً ما يتهرب من دفعها الأغنياء ، ومعجزة الزكاة في كفالة الله تعالى ببيان مصارفها دون فتح المجال في هذا الجانب للاجتهاد ، وحصرها في عناصر أساسية ومهمة ، وخاصة الفقراء والمساكين وفي سبيل الله ، وحققت الزكاة أهدافها وأغراضها المقدسة والشريفة طوال التاريخ الإسلامي ، وإن آثار الزكاة وأعمال المسلمين تدل عليهم في أرجاء الحياة والعالم في المساجد والمدارس والمستشفيات والجامعات والإنفاق على الطلاب والعلماء ، والأيتام واللقطاء ، حتى كان الولد مع وجود أبيه يتمنى أن يكون يتيماً لما يلقاه الأيتام من الرعاية والكفالة ورغد العيش ، ولا تزال الزكاة تحقق بعض أهدافها السامية ولو جزئياً اليوم مع الانهيار السياسي للمسلمين وتخلفهم عن الركب والعالم ، وكانت تسمى قبل نصف قرن الفريضة المنسية ، وعادت إليها شرايين الحياة ، وبدأت تزدهر من جديد ، ولها الهيئة العالمية للزكاة بالكويت ، وتعقد لها الندوات السنوية والمؤتمرات العالمية ، وعادت أدراجها شيئاً فشيئأ ، ونسال الله تعالى أن تعود بشكل كامل إلى التطبيق الكامل .

والله تعالى أعلم 

تاريخ النشر بالميلادي 2019/10/25

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به