العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - معتقدات فاسدة
رقم الفتوى 11849
نص السؤال مختصر

من هو الولي؟ وما حقيقة الكرامات ؟ ولمن تحصل ؟ ولم تكثر عند الصوفية ؟ ولم تحصل الكرامات للكفار إن كانوا كفاراً ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
قال تعالى :{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس : 62-63].
فكل من آمن بما جاء به الوحي، واتقى الله ربه بأن أتى بالمأمورات وانتهى عن المنهيات فهو ولي لله عز وجل، قال الطاهر بن عاشور في تفسير الآية :[وقد كنت أقول في المذاكرات منذ سنين خَلَتْ في أيام الطلب أن هذه الآية هي أقوى ما يُعتمد عليه في تفسير حقيقة الولي شرعاً]. انتهى من التحرير والتنوير.

أما خوارق العادات فهي على خمسة ضروب :
المعجزة : وهي ما يظهره الله على يد مُدعي النبوة مقروناً بالتحدي تصديقاً له في دعواه.
الكرامة : وهي ما يظهره الله على يد عبد صالح تكريماً من الله تعالى له.
الإعانة : وهي ما يظهره الله على يد عبد مستور الحال إعانة من الله له.
الاستدراج : وهو ما يظهره الله على يد فاسق أو كافر {كالمسيح الدجال} مكراً من الله به واستدراجاً له وابتلاءً للناس.
الإهانة : وهي ما يظهره الله على يد مُدعي النبوة تكذيباً له في دعواه كمن يتفل في عين الأعور لتشفى فتعمى الصحيحة.

فالكرامة هي ظهور أمر خارق للعادة على يد غير نبي، وجمهور أهل السنة على جواز وقوعها، واستدلوا بعدة نصوص من القرآن والسنة، منها أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله. رواه البخاري.
وأما ما يقع للمتصوفة، فقد سبق أن المتصوفة منهم : المعتدلون، ومنهم المبتدعة، ومنهم الغلاة الذين خرجوا بغلوهم عن ملة الإسلام، غير أنهم جميعهم يشتركون بعبارة واحدة ألا وهي :{علمنا هذا - أي التصوف - مقيد بالكتاب والسنة فإن حدنا عنهما فاضربوا بكلامنا عرض الحائط}، و قولهم صواب ، غير أن المشكلة ليست في الاستدلال بالكتاب والسنة، إنما في فهمهما، فالغلاة منهم والمبتدعة يؤولون النصوص على ما تهواه أنفسهم، فإن حصلت لهم خوارق عادات استدلوا هم وأتباعهم على صواب ممشاهم، وليس ذاك، إنما تخلى الله عنهم فزين لهم الشيطان أعمالهم، وماهو إلا استدراج من الله لهم، وفي تلبيس الشيطان على البعض من المسلمين وغيرهم قال ابن تيمية :
}فهي من الأحوال الشيطانية، لا من الكرامات الرحمانية{.
ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت، سواء كان ذلك المخلوق مسلماً أو نصرانيا أو مشركاً ، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به، ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص، أو هو ملك تصور على صورته، وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله - وسبق أن الاستغاثة شركٌ إن اعتقد أنَّ المستغاث به ينفع أو يضرُّ من دون الله -.
ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له: أنا الخضر، وربما أخبره ببعض الأمور، وأعانه على بعض مطالبه، كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى.
وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب، يموت لهم الميت، فيأتي الشيطان بعد موته على صورته، وهم يعتقدون أنه ذلك الميت، ويقضي الديون، ويرد الودائع، ويفعل أشياء تتعلق بالميت، ويدخل إلى زوجته ويذهب، وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار، كما يصنع كفار الهند، فيظنون أنه عاش بعد موته.
ومنهم من يرى عرشاً في الهواء، وفوقه نور، ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، فإن كان من أهل المعرفة، علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه، فيزول.
ومنهم من يرى أشخاصاً في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين، وقد جرى هذا لغير واحد، وهؤلاء منهم من يرى ذلك عند قبر الذي يزوره، فيرى القبر قد انشق وخرج إليه صورة، فيعتقدها الميت، وإنما هو جني تصور بتلك الصورة.
ومنهم من يرى فارساً قد خرج من قبره، أو دخل في قبره، ويكون ذلك شيطاناً، وكل من قال: إنه رأى نبياً بعين رأسه فما رأى إلا خيالاً.
ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر، إما الصديق رضي الله عنه أوغيره قد قص شعره، أوحلقه، أو ألبسه طاقيته، أو ثوبه، فيصبح وعلى رأسه طاقية، وشعره محلوق، أو مقصر، إنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه، وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة، وهم درجات، والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وعلى مذهبهم، والجن فيهم الكافر والفاسق والمخطىء، فإن كان الإنسي كافراً أو فاسقاً أو جاهلاً، دخلوا معه في الكفر والفسوق والضلال، وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر، مثل الإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم، ومثل أن يكتب أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة، أويقلب فاتحة الكتاب، أو سورة الإخلاص، أو آية الكرسي، أو غيرهن،
ثم قال : والشيطان وإن أعان الانسان على بعض مقاصده، فإنه يضره أضعاف ما ينفعه، وعاقبة من أطاعه إلى شر إلا أن يتوب الله عليه.] انتهى باختصار من الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

ولا بد في هذه المسألة من العلم بعدة أمور :
أولاً، أنه ليس كل خارق للعادة كرامة، فقد يكون استدراجاً، أو امتحاناً من الله لعبده الصالح فيرى هل يغتر العبد بنفسه أم يبقى لازماً باب ربه، وقد تكون إعانة مع من ظاهره الصلاح ولكن له ذنوب لا أحد يعلمها سواه، سواء كانت أمراض قلب أو ذنوب خلوات، وقد لا تكون خارقة للعادة أصلاً وفي ذلك يقول د. القرضاوي :
{هنالك أمور معتادة لمن عرف طرائقها وتعلمها من أهلها وإن ظن عوام الناس أنها من خوارق العادات} .
هنالك العجائب التي تصدر عن أرباب الرياضة الروحية التي يمارسها أناس ذوو استعدادات خاصة من شتى الملل والنحل فتنكشف لهم أمور لا تنكشف لغيرهم ويقدرون على أعمال لا يقدر عليها سواهم بطول معاناتهم لهذا اللون من مجاهدة الأنفس وطول الصيام والصمت والخلوة والتأمل والتركيز فمن تعنى تعنيهم وسلم سبيلهم وكان لديه الاستعداد يُسِر له ما يُسِر لهم من الأمور التي يظنها العامة خوارق وكرامات وماهي بالكرامات ولا الخوارق إلا لمن جهل طريقها .
وحسب المسلم أن يرى فقراء الهندوس والبوذيين وغيرهم من كهنة الوثنيين وكذلك رهبان النصارى يمارسون هذه الرياضة فلا تبخل عليهم بآثارها من المكاشفات وماشابهها.
وهنالك ظاهرة التنويم المغناطيسي وكيف شاهد الناس من آثارها أموراً عجيبة حتى وجدوا الوسيط- المنوم - يستطيع أن يكشف عن بعض الأشياء المخبأة ونحو ذلك.
وهنالك الفراسة الفطرية التي تكون موهبة عند بعض الناس بحيث يستدل بهيئة الإنسان وكلامه وصورته الظاهرة على أخلاقه واتجاهاته وأحواله الباطنة.
وهنالك مايفعله السحرة من العجائب التي تسحر أعين الناس وتسترهب الجماهير وهم بسحرهم بفرقون بين المرء وزوجه هذا مع أن السحر من قديم علم أو فن يمكن تعلمه وقد كان شائعاً لدى بعض الأمم.
وهنالك الشعبذة وخفة اليد واستعمال الحيل واستخدام مايجهله العامة من الطرق العلمية المقررة في الكيمياء وغيرها.
وهنالك الحيلة والخداع والاستغفال الذي يمارسه بعض الدجالين لمعرفة أسرار الناس بواسطة الأتباع والمأجورين وهذا شأن العرافين والكهنة والرمالين وغيرهم من الدجاجلة المحترفين .
وهنالك الإيحاء الذي أثبتت الدراسات النفسية قوة تأثيره على العقل والنفس والبدن وخاصة على العقل الجمعي عقل الجماهير التي تصدق ساعة اجتماعها الأباطيل مالا يصدقه الواحد منفرداً، كما شاع في القاهرة في فترة من الفترات :أن صورة السيدة مريم العذراء تظهر فوق برج إحدى الكنائس في الزيتون وأن بعض الناس رأوها واضحة جلية وشاع هذا الخبر لدى العوام وصدقوه واجتمع الآلآف من الناس عند هذه الكنيسة ليلاً ينتظرون أن تطل عليهم السيدة مريم فلم يجدوا شيئاً وإن كان معظم هؤلاء مسلمين ومنهم من أوهم نفسه أنه رأى شيئاًوالحق أن الناس أتعبوا أنفسهم في غير طائل] انتهى باختصار من فصول في العقيدة بين السلف والخلف.

ثانياً، إن الكرامة أو الإعانة لا تضمن لصاحبها دخول الجنة مباشرة، فقد يدخل النار أولاً فيعذب بذنوبه ثم يدخل الجنة.

ثالثاً، إن من اشتهروا بالصلاح وكثرة الكرامات لا يملكون للناس ضراً ولا نفعاً {وسبق أعلاه ذكر حكم من اعتقد ذلك فيهم} مهما علت رتبتهم.

رابعاً، إن الكثير مما يروى على أنه كرامات مكذوب مفترى، والواقع يشهد وفي الكتب التي تروي ذلك أمثلة كثيرة، ثم إن تداول الخبر عادة يجعله مبالغاً فيه، فكيف إن زاد عليه حب الناس لمن يروون عنه!

وخامساً، إن ما تحصل للغير من كرامات لا تعنينا وليست غايتنا، وخاصة أن خوارق العادة قد تحصل للفاسق والكافر، إنما غايتنا رضى الله عز وجل، والسبيل لذلك معلوم واضح، وإن رواية العلم الحق خير من رواية الكرامات.

سادساً، إن الخوارق الكبار لا تكون إلا لنبي، كإحياء الموتى، وانقلاب الجماد حيواناً، وانشقاق القمر ونبع الماء من بين الأصابع وغير ذلك.

وقد ضل قوم فرفعوا الصالحين فوق رتبتهم، بأن خصّوهم بخصائص النبوة أو الألوهية، وفُتن آخرون فصارت الكرامة غايتهم، وصار اجتهادهم في العبادة وتقوى الله في سبيل الكرامة لا في سبيل الله، وإن حصلت لهم خارقة تباهوا فيها وأذاعوها بين الناس، بينما كان الصالحون يعدون الكرامة كالحيض فيخفونها، ويخشون أن تكون استدراجاً من الله لهم.

نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/10/18

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به