العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 11848
نص السؤال مختصر

يقول تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، كيف ذلك ونحن نرى أناساً خلقوا بعاهات دائمة ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
قال تعالى :{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين : 4]
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره :
فالمرضيّ عند الله هو تقويم إدراك الإِنسان ونظره العقلي الصحيح لأن ذلك هو الذي تصدر عنه أعمال الجسد إذ الجسم آلة خادمة للعقل فلذلك كان هو المقصود من قوله تعالى :

{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } .
فأفادت الآية أن الله كوَّن الإِنسان تكويناً ذاتياً مُتناسباً و ما خلق له نوعه من الإِعداد لنظامه وحضارته ، وليس تقويم صورة الإِنسان الظاهرة هو المعتبر عند الله تعالى وليس جديراً بأن يقسم عليه ، إذ لا أثر له في إصلاح النفس ، وإصلاح الغير ، والإِصلاح في الأرض ، فإن العقل أشرف ما خص به النوع البشري من بين الأنواع .
ويدل على أن خلق جسد الإِنسان في أحسن تقويم لا ارتباط له بمقصد السورة، قوله تعالى بعد ذلك: { إلا الذين آمنوا } [ التين : 6 ] لأن الإِيمان أثر التقويم لعقل الإنسان الذي يلهمه السير في أعماله على الطريق الأقوم.

{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين : 5]
والمعنى : أن الإِنسان أخذ يغير ما فطر عليه من التقويم وهو الإِيمان بإله واحد وما يقتضيه ذلك من تقواه ومراقبته فصار أسفل سافلين ، وهل أسفلُ ممن يعتقد إلهية الحجارة والحيوان الأبكم مِن بقر أو تماسيح أو ثعابين أو من شجر السَّمُر ، أو مَن يحسب الزمان إلها ويسميه الدهر ، أو من يجحد وجود الصانع وهو يشاهد مصنوعاته ويحس بوجود نفسه قال تعالى :

{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون } [ الذاريات : 21 ] .
انتهى باختصار وتصرف يسير.

فالأصل أن يكون الإنسان سليم العقل والفطرة والقوى بما يوصله لمعرفة ربه ويتلاءم مع استمراره على هذه الحياة، أما العوارض التي تطرأ عليه من مرض أو عاهة وغير ذلك فهي استثناء ، والحكم عقلاً وشرعاً للأصل.
أما من أصيب بعاهة ما، مسلماً كان أو كافراً، فإن ما أصابه هو ابتلاء بلا شك، والابتلاء للناس أجمعين لا للمسلم فقط، ثم يُنظر في أثر ضرر هذه العاهة عليه ، فإن منعته من التعرف على ربه كالجنون مثلاً فيسقط عنه التكليف، فيكون جنونه بلاء للناس التي تحيط به، وإن لم تمنعه العاهة من التعرف على ربه كالشلل وغيره، فتكون عاهته ابتلاء له ولغيره، فإن آمن بالله تعالى وبرسوله فمرضه كفارة له، قال صلى الله عليه وسلم :{ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ، ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه - إلا كفر به من سيئاته}.
وإن جحد وكفر فيكون هو بنفسه قد حوّل ما يعانيه من ألم من كفارة للذنوب إلى عقوبة دنيوية، ونصب لنفسه عذاباً في قبره ويوم القيامة أعظم مما هو فيه الآن، قال تعالى :{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل : 118].
ثم أي سؤال يعرض لنا لا نجد له جواباً نرده للقاعدة العامة، وهي قول الله تعالى :{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت : 46]، فمن آمن بذلك علم أنه لا يضره جهله بإجابات أسئلته.
والله تعالى أعلم.

الجواب الكامل
تاريخ النشر بالميلادي 2019/10/17

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به