الفقه الإسلامي - العبادات و ما يلحق بها - ما يلحق بالعبادات - الأدعية و الرقائق و الأذكار
رقم الفتوى 11816
نص السؤال مختصر

حكم الترحم على الكافر ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فيحرم الترحم على الكافر الذي مات على الكفر، قال تعالى :{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة : 113]، وقد أجمع العلماء على ذلك.
وقد يُقال : هذا فيمن نص الوحي على أنه من أصحاب النار كفرعون وهامان وغيرهما .
قيل له : الأمر ليس كذلك بل النص مطلق وإن نزلت في أبي طالب فالمعلوم أن العبرة في عموم اللفظ، لا في خصوص السبب.
وقد يُقال : لعله آمن في آخر لحظات حياته، قيل له : إن للمسلم الظاهر والله يتولى الباطن، وهذه قاعدة مجمع عليها بين العلماء، قال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد { أَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ. قَالَ : " أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟ }، فمراد الرسول صلى الله عليه وسلم العمل بالظاهر دون الباطن، وعليه فمن عُلم بكفره وجحوده ثم مات حكمنا بكفره قطعاً.
وقد يُقال : لكنه وإن كان كافراً لكنه قدّم للبشرية ما لم يقدمه الكثير من المسلمين، قيل له : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : " لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً : رَبِّ، اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.
وقد يُقال : يحرم الاستغفار بينما يجوز الترحم والدعاء ،قيل له : هذا من الجهل بمكان ولا يقول به طلبة العلم، فكيف يُفرّق بينهما والعلة واحدة ؟ فعلى قول هذا القائل يُقال أيضاً يحرم التأفف بوجه الوالدين للنص على حرمته، بينما يجوز ضربهما ! وهذا لا يقول به عاقل.
ثم إن الترحم على الكافر لا فائدة منه، لأن الله لن يغفر له قطعاً، إذ قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً} [النساء : 116]
فالترحم على الميت الكافر هو تعدٍ في الدعاء، والله تعالى يقول :{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف : 55].
وقد يُقال كيف للمسلم أن يتزوج كتابية، ويحرم عليه الدعاء لها بالمغفرة إن ماتت ؟ قيل له : هي من اختارت طريق آخرتها، وليس زوجها، قال تعالى :{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف : 29]، وقال عزّ وجل :{أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} [يونس : 43]، وقال تعالى :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص : 56]
فإن اختار الكافر الكفر على الإيمان فليتحمل تبعات عمله.
نسأل الله السلامة لنا ولكم.
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/10/09

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به