العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 11665
نص السؤال مختصر

لم تتهربوا من عدم إجابة الدعاء بقولكم إن لم يجَب للداعي فإن الله يدخرها الله له في الآخرة؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فالسائل يقصد قوله صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
والحق أن إجابة كل داع مستحيلة عقلاً من جهة، لاجتماع الأضداد : فإن دعا أحدهم بأن ينزل المطر حالاً، وفي نفس الوقت دعا آخر بألا تسقط قطرة ماء من السماء، فتتعذر إجابة الدعاء لاجتماع المتناقضين.

وعبث من ناحية أخرى، إذ تؤدي إلى :
١- فساد نظام الكون : فتخيل لو أن أحدهم دعا بأن يضيء كوكب المشتري بدل الشمس، ودعا آخر بعد دقائق بأن يبقى الليل سرمداً إلى يوم القيامة، ودعا ثالث بأن نتبادل الأدوار مع الدلافين فنتحول نحن لمخلوقات مائية وهم لمخلوقات برية!
٢- إبطال نظام السببية : فالكون قائم على أن لكل سبب مسبباً ، فالعمل سبب تحصيل المال، و السير سبب الوصول، فتخيل لو أن أحدهم دعا بأن تمطر السماء مالاً وهو مضطجع على فراشه طيلة العام، وآخر دعا بأن يختفي ويظهر فجأة في لوس أنجلوس!
فمن يسخط لعدم إجابة كل داع فهو بمعنى آخر يريد أن يرتقي المخلوق ليصبح خالقاً فتكون له قدرة الخالق الذي إن أراد شيئا

{ فإنما يقول له كن فيكون } البقرة[ 117 ]
ومن حكمة الله عز وجل ألايجيب كل داع وإن كان الأمر ممكناً ، فمن كان له عشرة أطفال يعلم تماماً حجم الفساد الناتج عن تلبية كل متطلباتهم في كل حين ، والله رب العالمين ، والرب معناه المربي أي يربي عباده، بل إن الله نبه الصحابة لذلك بقوله تعالى :

{ واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } الحجرات[ 7 ]
لعنتم : أي لأثمتم وهلكتم.
أما عن إجابة الدعاء بالمجمل فقد تواتر تواتراً لا ريبة فيه في القديم والحديث، في مشارق الأرض ومغاربها أن الله عز وجل يجيب الدعاء، وتكاد لاتخلو أسرة من رجل أو امرأة دعت الله تعالى بأمر معين فاستجيب لها حالاً، والقصص في ذلك كثيرة جداً، وجميع من استجيب له كان قد أخذ بالأسباب التي أرشده الله إليها { أي مواطن الدعاء } واستجيب له بطريقة عجيبة جداً، فلا يقول : إن كل ذلك من فعل الصدف والعشوائية إلا كل متكبر متكلف.
وهذا فيمن أجيبت دعوته حالاً، أما من أجيبت دعوته بعد حين فحدث ولا حرج، وهؤلاء أعدادهم أكبر بكثير.
وأسباب عدم إجابة الدعاء كثيرة، وقبل سرد بعضها ينبغي العلم بأن الدعاء بمثابة السبب المادي، فكما أن العمل سبب لتحصيل المال، فكذا الدعاء سبب لتحصيل الغايات، ولكن وإن قلنا بأنه سبب ولكنه سبب مفتقر لسبب آخر في الأصل ، صحيح أن العمل سبب لتحصيل المال، ولكن من يبتغي مدخولاً كبيراً شهرياً لايكفي أن يعمل عملاً لايدر عليه إلا القليل من المال، كذا الدعاء وإن كان سبباً لكنه يفتقر إلى الأخذ بالأسباب، وعند عدم الأخذ بها فمن الطبيعي ألا يُجاب الدعاء، ثم إن الإجابة تتعلق بالقدر، فمن القدر ما يتغير بالدعاء وهو القدر المعلق، ومنه ثابت لايتغير، ثم إنه قد يكون قد استجيب للداعي وهو لايعلم، فقد تبين فيما سبق أن من وجوه الإجابة أن يصرف عنه من السوء مثلها، والسوء المصروف إما أن يكون ظاهراً ، فكم من أسرة كاد أن يحرق أو يسرق بيتها؟ كم من بيت في الحرب سلم من الهدم في منطقة كادت أن تُمسح عن وجه الخارطة ؟
وقد يكون السوء خفياً، كمن كان ينمو المرض في جسده بصمت وعافاه الله منه دون علمه.
وقد تكون الإجابة بأن يدخرها له في الآخرة، إذ هي عبادة يؤجر عليها، قال صلى الله عليه وسلم :{ الدعاء هو العبادة }.
وبذلك يكون { قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } البقرة[ 256 ]
والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/09/01

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به